إياد الإمارة ||
▪️ لماذا يُطلق اصحاب البساتين في البصرة اسماء مختلفة على بساتينهم؟
هذه الأسماء لاتدون في سجلات الملكية ولا على لوحات دلالة يعلقونها داخل هذه البساتين!
هي مدونة في ذاكرة الفلاحين فقط يحفظونها على ظهر القلب.
كنت اتوقع ان هذه الطريقة مختصة بقضاء المدينة: قضاء الشهداء أو جزء منه فكان (الگراح) ولعل الاسم ملهج من كلمة القراح، وكانت (الشروة)، و (ام الخوخ)، و (ام الرمان)، و(البگشة) وهي كلمة فارسية تعني البستان الصغير، لكني وجدت ان هذه هي طريقة البصاروة في قضاء المدينة وقضاء الفاو وقضاء ابو الخصيب وقضاء شط العرب.
الطريقة التي لم تقتصر على البساتين فقط بل شملت أيضاً الانهر والجداول الصغيرة التي تتخلل هذه البساتين، وتسمى محليا في قضاء المدينة (گرام) مفردها (گرمة) فهناك نهر يسمونه (المچرية) وتعني المكرية: اي المحفورة، و (السبل) وهو النهر الرئيسي الذي يتفرع من النهر الاصلي ومنه تتفرع باقي الانهار الفرعية لتصل عند كل بستان او عند كل نخلة، و نهر (البَدعة) ولعل التسمية ملهجة من البَديع وليس من البُدعة لانها تطلق على الماء النقي الصافي.
واطلقوا على جزء البستان اسم (المتن) وهو إستخدام رائع لان المتن يحمل الرقبة والرأس، والمتن هنا يحمل النخلة، واطلقه اهل العلم على النص الذي يحمل المعنى، وسميت هذه المتون هي الأخرى باسماء مختلفة، كان لدينا متن يسمى متن عنيبر، وعنيبر هذا احد اقاربنا أو هو الشخص الذي عمر هذا المكان.
في قضاء شط العرب اوقفني صديقي عند ارض مستوية وضعت عليها قطعة خشبية كتب عليها "ممنوع الدخول" وذلك لوجود الغاما ارضية مزروعة في هذه الارض، حدثني صديقي عن هذه الارض وانها كانت بستانا عامرا بالنخيل والاشجار المختلفة: الرمان، والتين، والزيتون، وكانوا يسمون هذه الأرض المباركة (ام البخت) لأن جده يقول: إن هذه الارض كانت تنبت كل شيء ولا يموت فيها زرع حتى نبتة النوام وهو مخدر لعله الافيون زرعوه في هذه الارض ووردة القرنفل زرعها الجد واثمرت، ومن طريف ما ذكره عن جده انه كان ولعا بزراعة انواع مختلفة من النخيل في هذا البستان وذات يوم سمع ان هناك نوع من النخل يسمة (النبايتي) موجود لدى آل سالم في نهر عنتر فذهب إلى هناك وسأل عنه، واستغرب آل سالم من سؤاله وعندما عرفوا قصده وهبوه الفسيلة بلا ثمن وعاشت (النبايتية) واخذ يسميها نبايتية آل سالم، هذه الارض الآن ممنوع دخولها لانها مزروعة بالالغام ولا يوجد فيها شيء يشير للحياة فقط هذه اللوحة التي تحذر من الموت في داخلها، واصبحت ام البخت ام الموت.
لقد أصبحت اسماء بساتين النخيل لدينا مجرد اسماء إندثر بعضها أو يكاد أن يندثر، فمتن عنيبر اصابه العوق ومات فيه الفحل الغنامي، والحلاويات، والچبچابة، وگاع معلة ام البرحي، والخضراوي، والمياسية، والدگلة الصفرة، والحلاوية الطويلة، ونبايتية آل سالم لأنها هي الاخرى من آل سالم، كلها ماتت!
قتلها الملح والهجر، بقيت مجرد اسماء في الذاكرة لانها كما قلت في البداية غير مدونة في سجلات الملكية او على لوحات دلالة وسوف ينتهي وجودها عندما ينهال على بقايا هذه الذاكرة التراب.
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha