إياد الإمارة ||
▪️ لكل منطقة من مناطق البصرة طريقة خاصة في التعامل مع التمر وادخاله في صناعات مختلفة أو أن تصنع منه أطعمة مختلفة، فحلاوة نهر خوز التي تعتمد على عصير التمر (الدبس) وعصير السمسم (الراشي) تصنع في قضاء ابو الخصيب وتتركز في قرية نهر خوز، وهناك صناعات اخرى "خصيبية" يدخل التمر فيها لا توجد في قضاء شط العرب او قضاء المدينة كما أن في هذين القضائين ما هو غير موجود في قضاء ابو الخصيب أو الفاو، هذا الموضوع استوقفني للكتابة عنه كجزء من تراث هذه المدينة التي عُرفت بزراعة النخيل وإنتاج التمور على مر الأزمان ونتمنى ان تعود البصرة من جديد سلة تمر العراق والدنيا.
قضاء المدينة الواقع في شمال البصرة على ضفتي نهر الفرات كان فيما مضى من الزمان غابة مترامية الأطراف من أشجار النخيل بمختلف الأنواع إلا أن أشهر الأنواع التي كانت تزرع هناك (الجبجاب) الذي يُجني محصوله قبل أن يتحول إلى رطب ويغلى في أوعية كبيرة ثم يُترك ليجفف على حرارة الشمس مدة من الزمن فيتحول إلى لون وطعم جديد يعبأ بأكياس ويصدر إلى أماكن مختلفة داخل العراق وخارجه وأحيانا يستخدم خَلال نوع آخر من النخيل هو (البريم) بنفس الطريقة، كما يشتهر قضاء المدينة بنوع آخر من النخيل (الديري) الذي يجنى ثمره ويوضع في معصرات طبيعية كبيرة تسمى محليا (المدابس) للحصول على الدبس المعروف بـ (دبس دمعة) والمدابس ومفردها مدبسة عبارة عن حوض صغير تسوى أرضيته وتوضع عليه (بارية) مصنوعة من القصب للتحول إلى وعاء يوضع فيه التمر ويترك لكي ينعصر طبيعيا، والبارية هي أشبه بسجادة مصنوعة من اعواد القصب المهروسة جيدا، مركز صناعة البارية هو قضائي الجبايش في الناصرية وقضاء المدينة واعتقد ان صناعة البارية مأخوذة من السومريين سكان هذه المناطق الاصليين، واثناء نزع تمر الديري عن الأعذاق يبقى فيه عدد قليل من الخَلال غير الناضج يجمع هو الآخر تنزع عنه النوى ويقطع إلى نصفين ويجفف مباشرة على حرارة الشمس دون طهوه ويحفظ بعدها في أكياس لفصل الشتاء ويسمى (الشجيج) ولا يكون إلا من خَلال الديري، كما يصنع في قضاء المدينة مربى التمر والمعسل، ومربى التمر هو خلط نوع جيد من التمر بالدبس والسمسم وبعض التوابل الأخرى (الهرش الخار، وجوز بوة، و الخرص دار) ويترك مدة من الزمن ثم يقدم على الموائد البصرية اما المعسل المديناوي فهو صناعة خاصة بامتياز لهذا القضاء إذ يُأخذ الدبس الدمعة ويوضع في اواني كبيرة ثم يطرق بالايدي ومضارب خشبية فترة من الزمن حتى يتحول لونه من الاسود إلى الأصفر ويتغير طعمه إلى طعم جديد يختلف عن طعم الدبس الأصلي ويخلط مع التمر الجيد وتضاف له مواد مربى التمر لتعطيه نكهة شهية جدا، والمعسل لا يصنع إلا بتوصيات لأنه يحتاج إلى كميات كبيرة من الدبس الدمعة ووقت وجهد كبيرين وكان يصدر إلى دول الخليج ويباع باثمان باهضة جدا، التمر هو الآخر يعبأ في أغلفة مصنوعة محليا من الخوص يسمى (الغلف) يوضع فيه التمر ويكبس ثم يغلف ويسمى (الحلانة) وهي باوزان محددة ولم يكن يستخدم أي مغلف آخر مثل البلاستك أو الفافون في تعبأة التمور إلا مع مربى التمر والمعسل التي تُصنع لأجلها اوعية خاصة من الفافون، وكثيرا ما شاهدنا الدبس وهو يقطر من فتحات الحلانة يثير شهية المشترين.
هذه أهم صناعات التمور المختصة بقضاء المدينة.
الجميل ايضا هو موسم القطاف الذي يبدأ مع نهايات الشهر الثامن ويسمى الـ (ثمرة) ويبدأ من لقاح النخيل وينتهي ببيع آخر تمرة معبأة في الـ (جواخين) وتتخلل هذا الموسم الكثير من الفعاليات والمهام التي تحول البساتين في شمال المدينة وجنوبها وشرقها إلى خلايا نحل نشطة تنتقل الحياة خلالها من وسط القرى إلى أفياء النخيل التي تدر الرزق على الناس.
https://telegram.me/buratha