المقالات

السكر المالح..!


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

"حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ"

"أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ"

تعالج هاتان الايتان من القران الكريم حالة سلبية مرضية تصيب المجتمع، وهي اليأس الجماعي من الوضع الراهن والقبول باي وضع بديل مهما كان.

وهو مرض اصاب المجتمع العراقي في زمن صدام، وهو بعثي عربي علماني، حين بلغ طغيانه درجة وصل معها الناس الى اليأس من امكانية تغييره واسقاطه، فصاروا يقولون: نقبل باي حاكم شريطة ان يخلصنا من صدام. وسمعت من يقول حتى لو كان شارون (رئيس الوزراء الصهيوني في وقتها).

واسقطت الولايات المتحدة صدام حسين، وتولى الحكم بعده "الاحزاب"، وفيها الاسلامية والعلمانية، الشيعية والسنية، والكردية وغيرها ضمن نظام المحاصصة، باسم الديمقراطية.ولما لم تحقق الاحزاب للعراقيين ما كانوا يأملونه، كفر الناس بالاحزاب والديمقراطية، واخذ بعضهم يتمنى مجيء حاكم "دكتاتور" مع اضافة وصف "عادل" اليه. وهكذا تموّج الوعي السياسي في العراق بين الدكتاتورية الصدامية العلمانية، الى المحاصصة الحزبية المختلطة، الى الدكتاتور العادل الذي لا يعتقد ان يكون اسلاميا، فهو للدقة والامانة دكتاتور علماني عادل.

وفي الحالتين يقع الوعي السياسي العراقي، او لنقل العقل السياسي العراقي على مستوى الجمهور، في نفس الخطأ. وهى الاستعداد لتقبل اي بديل للوضع القائم البائس، بدون التشديد على المواصفات السليمة في البديل. بهذا يختلف العقل السياسي العراقي عن مثيلة الانكليزي والفرنسي والاميركي، حين ثارت هذه الشعوب وكان الهدف اقامة دول او انظمة حكم يتمتع فيها الناس بالحرية والعدالة والمساواة، وتاليا بالرفاهية والسعادة. وكأن العقل السياسي العراقي على مستوى العامة لا يتقدم على الوضع البائس ولا يتصور وضعا افضل منه، او كأن هذا العقل لا يرى ان من حق المواطن العراقي ان يتمتع بالحرية والمساواة والعدالة والرفاهية والسعادة. وهذه كلها امور تضمنها وتحققها دولة حضارية حديثة تقوم على اساس المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث ومنظومة القيم العليا الحافة بالمركّب الحضاري للمجتمع، وعناصره الخمسة، اي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل.

يطالب بعض الناس اليوم بحاكم دكتاتوري عادل يخلصهم من المعاناة التي تحيط بهم من كل جانب. وهذه امنية لا مصداق لها،  لكنهم يقعون في الخطأ، بل الوهم، حين يترأى لهم ان حكاما "دكتاتورين عادلين" حققوا ما تتطلع اليه شعوبهم. وهي امنية ليست بالجديدة، كانت تلجأ اليها شعوب اثينا وشعوب روما قديما لاسباب معينة. كما ان للامثلة المعاصره ظروفها الخاصة التي لا يمكن القياس عليها.والقياس هنا غير تام كما يقولون. ناقش بعض المفكرين، مثل جون ستيوارت مِل، من قبل مقولة "المستبد العادل" واثبتوا خطأها وعدم وجود سابقة تاريخية يصح الاستدلال بها. فلا اعيد حججهم وادلتهم، لكني اكتفي بالقول ان عبارة "المستبد العادل" تنطوي على تناقض داخلي يجعلها غير صحيحة. فالاستبداد بحد ذاته قبيح وينطوي على ظلم كبير، بل هو اعتداء صارخ على اهم حق منحه الله (او الطبيعة) للانسان وهو "الاستخلاف"، اي حق الانسان بحكم نفسه بنفسه، وهو حق ينطوي على الايمان بالحرية الطبيعية للانسان. ان من يقبل بحكم "المستبد العادل" الوهمي انما يتنازل طواعية عن حقه بالسيادة والاستقلال والحرية وحق تقرير المصير. وما قيمة الخبز اذا فقد الانسان كل هذه الامور؟ من يطلب "المستبد العادل" كمن يبحث عن "السكر المالح"، ولن يجده!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك