المقالات

الوجبات..المقابر الجماعية..!


 

محمد صادق الهاشمي||

 

قصة في رحاب الشهيد السيد علاء الحكيم بن الامام محسن الحكيم

 

كلّ رفاقي في سجون ومعتقلات وزنازين الأمن العامّة يتذكّرون إطلالة  ضباط الأمن قبل الغروب بساعاتٍ.

يقف أحدُهم يقرأ قائمة أسماءٍ، ويطلب منهم أن يستعدّوا.

نعلم أنّهم في جنح ظلام اللّيل يتمّ إخراجهم , وعادةً أنّ مَنْ يُنادى باسمه ممّن قد اكتمل معه التعذيب الذي قد يطول أيّاما أو أشهراً .

والتحقيق: هو التعذيب بكُلّ ما أوتي الوحش الصداميّ من أفكارٍ وأساليبَ قاسيةٍ عدوانيةٍ يمارسها أوغادٌ لا يختلفون ولا يتخلفون عن داعش، بل هم من علّموا داعش القذارةَ والقساوةَ والحقدَ على شيعة أل محمّد.

 كنّا نتوقع أنّهم يُطلق سراحُهم، ونقول: خرج فلانٌ في الوجبات، أي أُطلق سراحُه، والتقي أهله , فيحزن الباقون، ويفرح الخارجون، وهكذا مرّت السنون.

لا يكاد يمرّ شهرٌ دون أنْ تفد إلينا وافدةُ الموت من معتقلين جدد،  فيتعرّف الباقون في الزنزانة عليهم، وأنا أحدهم، ويصادف أنّهم من ذات المدن التي يسكنها شباب الوجبات، فنسألهم عمّن أُطلق سراحُهم، وهم يسألوننا عنهم؟  فكانت الصدمةُ أنّ أحداً لم يصلْ أهله من وفود الوجبات .

 قلنا: ربّما في سجونٍ خارج بغداد، وقلنا... وقلنا الكثير، إلّا أنّه بعد سقوط الطاغية علمنا أنّهم دُفنوا أحياء في المقابر الجماعية .

يبكيني كثيراً مشهدُ أحدهم - من تجار الكاظمية - دخل إلى الزنزانة، فاستقبله أهلها وهو خائفٌ للتوِّ،دُفع إلينا، وسُحبت القيودُ من يده، ورفع الغطاء عن عينيه.

ناولته قليلا من الماء فرفض خوفاً.

 علم السيّد «علاء الحكيم  » أنه خائفٌ، ويعتقد أننا أفراد من الأمن فقال له: حاجّ أنا أعرفك لا تخفْ، اشربْ الماء، أنت الحاجّ فلان.

فتح الحاجّ عينية مستغرباً، وبعد تجاذب أطراف الحديث صرخ الرجل مذهولاً أن ابن المرجع السيّد محسن الحكيم بيننا، فانهمرت دموعه قهراً ولوعةً، والرجل لا يكاد يستوعب الحدث.

 الاغرب في تلك الساعات أنّ السيد علاء الحكيم يهمس في أذن أحدهم من بين عشرين سجينا، ويوشّر له بلطف طالباً الصبر، ودموع هذا الشاب يغلبها حينا وتغالبه حينا أخرى، ويخنق عبرته عاضّاً على شفتيه، واضعا رأسه بين رجليه، وهو القرفصاء حتى لا يتفجر ويتفجر.

أخذ الرجل يروى - بعد أنْ شرب الماء ورحّبنا به  – للسيّد علاء أمنيته أنْ يرى ولده الذي أرسله للدراسة في الخارج قبل أنْ يموت.

وما يدري هذا الرجل  أنّ ولده بيننا، وإنّ ولده يكاد يضجّ صارخاً من صدمة الموقف، لولا عيون السيد علاء تطالبه بالصبر ريثما يهدأ الأب، والسيّد علاء لا يدري كيف يتدارك الصدمة حينما يلتقيان.

 أخذ الحاجّ يروي سبب اعتقاله، وماذا طلب الأمن منه، وأنهم سألوه عن ولده وعلاقاته وأصدقائه..

وهو يصرّ بأنه قال للأمن: إني لا أعرف أصدقاء ولدي، وإني أرسلته إلى الخارج ليدرس على نفقتي الخاصّة، وانقطعت علاقته بالأصدقاء.

لحظات وانفجر الابن باكيا بصوتٍ معانقاً والده... فالتفت الأبُ مذعوراً...

 منو  بابا أنت هنا...

 حبيبي بابا أنت هنا ...

 لا تبجي....وليدي...

 تعانقا، ونحن نشاهد الموقف، ولكن أيّ دمع منا قد انهمر، وأيّ حزنٍ توقّد! وأيّ قلبٍ قد انفجر.

 كم رأيتهم يتعانقون عند النوم متلاصقين، ومرّت الأيام فخرجا مع مَنْ خرج إلى المقابر الجماعية « الوجبات».

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو محمد
2021-07-20
لااله الا الله انا لله وانا اليه راجعون لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم الهي ضاقت صدورنا من الظالمين بالامس المجرم اللعين صدام واليوم ايتامه في سوق الوحيلات والساسة في واد والفقراء في واد.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك