مالك العظماوي ||
لا أحد ينكر دور الشباب الواعي في إعادة رسم الخارطة السياسية في البلاد وكيف تم تحقيق عدة أمور مهمة في العملية السياسية والتي كان يطالب بها الشباب. وطبقاً لتلك المطالب الشبابية، فقد تحقق إسقاط حكومة الدكتور عادل عبد المهدي، و الإتيان بحكومة السيد الكاظمي التي إتفق عليها أغلب المتظاهرين في محافظات الوسط والجنوب. كما طالب هؤلاء الشباب بإنتخابات مبكرة وتحقق ذلك أيضا، وحددت حكومة الكاظمي موعداً قريباً جداً لها. وأرادوا تغيير قانون الإنتخابات وتغيير أعضاء مفوضية الإنتخابات، وتحقق لهم ذلك أيضا. فلم يبق شيء من مطالبهم إلا وسعت هذه الحكومة - التي هي من إختيار هؤلاء الشباب وبعض القوى السياسية التي كانت داعمة لهم - لتحقيقها وذلك بفضل إصرار وتضحيات أبنائنا الشباب.
وبعد أن هدأت النفوس بعض الشيء، وتمت إعادة قراءة المشهد وما تحقق من أهداف (الحركة التشرينية)، وبعد تشكيل بعض الحركات والأحزاب من قبل الشباب، الذين كانوا يرفعون - إلى وقت قريب - شعار البراءة من كل حزب، فهاهم يؤسسون أحزاباً وحركاتٍ! على الرغم من براءتهم من الأحزاب وعملها.
وكرر بعضهم قراءة المشهد ثانية، وخرجوا بنتيجة خلاصتها مقاطعة الإنتخابات، والوقوف أمام إجرائها، بل وحتى تخريبها! ولدى متابعتنا لتصريحات قادة الشباب أو ما يسمى بـ (قادة تشرين) لاحظنا بأنهم يريدون منع إقامتها وتخريبها - على حد قول أحدهم - بل وإتخاذ كافة السبل لتخريبها والوقوف أمام إجرائها.
ثم تلا ذلك إعلان بعض القوى السياسية من الذين ينادون بالإصلاح وإجراء إنتخابات مبكرة، بمقاطعتها أيضاً، وانتشرت عدوى المقاطعة إلى عدة قوى وتيارات لا يُستهان بها، قد تصل إلى التأثير الحقيقي على مستقبل الإنتخابات ومدى شرعيتها، بالإضافة إلى تثقيف المجتمع إلى مقاطعتها!
لو عدنا لجذور المشكلة، لوجدنا إن الأحزاب التي كانت مهيمنة على المشهد السياسي في البلاد طيلة الفترة الماضية قد استفادت في هيمنتها من قانون الإنتخابات السابق، وقد حاول (قادة تشرين) وبعض القوى السياسية إلى تغيير القانون الإنتخابي بأي صورة من الصور، ظناً منهم الإضرار بتلك الأحزاب وتوجيه بوصلة الفوز بالإنتخابات تجاههم، وحصل التغيير إلى قانون الدوائر المتعددة، لكن التغيير جاء دون تروٍ ولا دراسة للساحة السياسية، فوجدت هذه القوى - ومن ضمنها قادة الحراك الشبابي - نفسها بأنها سوف لن تحصل إلى ما تصبو إليه.
ولو أمعنا النظر في هذه الأحداث، وأمام إصرار الحكومة - إن صدقت - وإصرار بقية الكتل السياسية على إجراء الإنتخابات بموعدها المقرر، لوجدنا تعقيداً في المشهد السياسي في محافظات الوسط والجنوب فحسب دون غيرها من محافظات البلاد، وربما سترافق الإنتخابات بعض الأحداث التي لا نتمنى أن تقع، وهذا كله سيؤثر على الناخب (الشيعي) ولربما يقاطع الإنتخابات حفاظاً على نفسه، وستتضاءل نسبة المشاركين فيها - إن حصلت - إلى أدنى مستوياتها، وبالمقابل سيكون الإقبال عليها في المناطق الغربية والشمالية بكثافة، وذلك بسبب تنافس المرشحين وإقبال الناخب هناك.
وهنا لابد أن نطرح بعض الأسئلة - وبحيادية تامة - التي تحتاج إلى إجابة من قبل المنسحبين من الإنتخابات والذين يقفون ضد إقامتها والحؤول دون إجرائها:
- هل إنسحابكم هذا أبدي أم له حد معلوم؟
- هل لديكم شروط من أجل أن تعودوا للمشاركة؟ فإن وجدت لابد من بيانها للحكومة من أجل تحقيقها.
- هل تؤمنون بالعمل الحزبي؟ فإن كنتم تؤمنون فلا يجوز منع الأحزاب الأخرى من المشاركة، وإن لم تؤمنوا فماذا عن الأحزاب والحركات التي أسستموها؟
- هل تؤمنون بالديمقراطية؟ فمن يؤمن بالعمل الديموقراطي لابد له أن يقبل بما تؤول إليه النتائج النهائية، لا أن يقف حائلاً لتقويض العملية الديمقراطية لمجرد قراءة أولية للمشهد.
ونكتفي بهذه الأسئلة الأساسية التي لابد من الإجابة عليها من قبل المعنيين، ولكن سننقل رأي بعض المحللين السياسيين والمختصين بالشأن السياسي العراقي الذين يرون أن الأمر لا يعدو عن كونه جاء نتيجة لوصول القوى المنسحبة لقناعة تامة بأنهم سوف لن يحصلوا على نتائج ملموسة في الإنتخابات، وإن حصلوا فسيحصلون على الشيء اليسير، هذا أولاً ولترجيح كفة على أخرى في المحافظات الأخرى ثانياً. هذا دون الخوض في التفاصيل لأن الأيام كفيلة بالإجابة على ما يدور بخلد القارئ اللبيب.