فاطمة محمد عبد الحسن الكعبي ||
أعرف شخصاً لطيف وهادئ ، فدار حديث حول طبيعة العنف ، قال بأني دائماً اتخيل نفسي بوضع دموي ، يعني أتخيل بأني أقتل الشخص الموجود أمامي أو أعذبه بأسوء الطرق ، أو أحلم احلام دموية ، احلم بأني أعذب أناساً وأقطعهم وأقتلهم ، عقلي الباطن منغمس بالدم ومتشبع بالتعذيب ، أحاول بأن أقاوم هذه الخيالات والأفكار لكنها في كل مرّة تأتي حتى دون رغبة منّي ، أبذل جهدي حتى أكون بحالة هدوء لكن مع ذلك دائماً تداهمني خيالات بأني أعذب وأقتل الشخص الذي أمامي.
حاولت أن أعرف سبب هذا العنف والظلام المستوطن بداخل هذا الشخص المتحدث والنتيجة كانت مشابهة لاحدى التجارب التي أجريت من سنين .
وكانت التجربة في أغسطس 1971، نفذ عالم النفس «فيليب زيمباردو» تجربته الشهيرة «سجن ستانفورد»، التي كان هدفها معرفة تأثير الأدوار والبيئة على الأشخاص، فخلق بيئة سجن في أحد أقسام جامعة ستانفورد، وأعلن عن فرصة للتطوع في التجربة، فتقدم ما يقرب من 70 متطوع ، واختير 24 منهم بعد المقابلات والاختبارات المعيارية للتأكد من سلامتهم النفسية وأهليتهم للتجربة.
وُزِّعت الأدوار على المتطوعين عشوائيًّا بين حراس وسجناء، وبدأت التجربة بإعطاء الحراس اللباس الخاص بهم، والنظارات السوداء لمنع التواصل البصري مع السجناء.
ومن أجل تعزيز دور السلطة والقوة في الحرس، سلموهم العِصي الخاصة بهم.
أما السجناء فجردوهم من ملابسهم وهوياتهم، وأعطوهم أرقامًا عوضًا عن أسمائهم، وسلموهم لباس السجن. بذلك يتعامل الحارس مع رقم، وليس مع شخص لديه كرامته وحقوقه الخاصة.
وكان الحراس يعملون في اوقات خلال اليوم على مدى ثماني ساعات للفترة الواحدة.
التجربة التي كان من المقرر أن تستمر لأسبوعين، اضطر الدكتور زيمباردو إلى إنهائها في اليوم السادس، وواحد من المتطوعين خلال أقل من ٤٨ ساعة انهار بالبكاء واضرب بصورة فضيعة بسبب تعامل السجانين له لذلك تم اخراجه من السجن وابعاده من التجربة ، ثم تبعه سجينان آخران بعد أن أصبح الوضع لا يُحتمَل، وصارت الإهانات والضغط النفسي على المساجين بسبب الحراس لا تطاق، بداية بالعقوبات الجسمانية، مرورًا بالإهانات والقرارات العشوائية، كإيقاظ السجناء من نومهم وطلب عمل تعداد أو تمارين، وصولًا إلى إجبار السجناء على تطبيق تصرفات مؤذية على بعضهم بعضًا، واجبارهم على تنظيف المراحيض بأيديهم .
ومن خلال هاي التجربة وغيرها من التجارب التي أُقيمت سابقاً ، مثل تجربة اختبار الذكاء وتطور العنف .
لُحِظ بأن كل البشر وبغض النظر عن مكانتهم الإجتماعية وطبيعتهم وصفاتهم وجنسهم ، يمتلكون عنفاً في داخلهم ، حتى وإن كانوا مسالمين ولطفاء وسيكون عندهم قدر معينٌ من العنف ، ولكن هذا العنف كميته تختلف من شخص لآخر حسب طبيعة حياتهم وبيئتهم وكميّة العنف التي شاهدوها في حياتهم أو من خلال سماعها أو تعرضوا لها .
فالشخص إذا توفرت له الظروف المناسبة حتى يمارس العنف سيمارس العنف والقتل والدماء ويصبح مجرماً ، أما إذا عاش ببيئة مسالمة وعادية سيكون انساناً عادياً وطبيعياً ، ولكن العنف سيكون مخفياً بداخله ، وذلك بسبب عدم توفر الظروف الملائمة حتى يظهره ، ولكن بمجرد ما تكونت الظروف وصارت متاحة صار مجرماً .
••هذا واقع حال الكثير من الناس الطبيعية والذين ننعتهم بالطبيعيين والعاديين عندما يتعرضون لاحتلال واحدة من الدول الدموية مثل (داعش وغيرها ) سيساندوهم وينتمون لأحزابهم وميليشياتهم ويمارسون العنف ويقتلون بكل رحابة صدر .
هؤلاء في الواقع لم يتحولوا الى مجرمين بين ليلة وضحاها وإنما الظروف صارت متاحة لهم حتى تظهر طبيعتهم العنيفة ( طبعاً لا ننسى تغيّر القناعات التي تساعد على ظهور العنف ) .
لذلك علينا ان نخلق للأطفال بيئة سليمة من العنف والقتل وابعادهم عن الضرب والألفاظ النابية فكل هذه الامور سترسخ الطبيعة الدموية والصفات العنيفة بداخلهم وتجعل منهم مجرمين محتملين هذا ما عدا ان يكونوا عدائيين مع محيطهم ، لذلك البيئة المحبة والعطوفة لاتخلق طفلاً سليماً فقط وإنما تحمي المجتمع من الاجرام والعنف وتبني حياة ومجتمعاً افضل .
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha