المقالات

"الدولة" كشعار انتخابي 


  محمد عبد الجبار الشبوط يشيع هذه الايام بكثرة استخدام مفردة "الدولة" ضمن تركيبات لغوية متعددة في الخطاب الانتخابي.  وبغض النظر عن النوايا، فان شيوع استخدام مفردة "الدولة" يكشف عن عمق الشعور والاحساس بالحاجة الى الدولة. فقد اصبحت الدولة ضرورة اجتماعية انسانية، كضرورة الاجتماع الانساني. ومنذ حوالي ٧ الاف سنة اصبح من الصعب تصور جماعة بشرية لا تعيش ضمن وفي ظل دولة.  والاحساس العميق بضرورة الدولة ليس جديدا في الشعور واللاشعور العراقي. فمنذ ولادة "الدولة العراقية" في عام ١٩٢١ والبحث عن الدولة جار على قدم وساق. وهو بحث ينطوي على قلق وانقطاعات وقفزات هنا وهناك وصلت ذروتها بعد سقوط النظام الدكتاتوري البعثي في عام ٢٠٠٣.  الاستخدام الحالي لمفردة "الدولة"، استعادتها وبنائها، يتسم بعد صفات. اولى هذه الصفات انه جاء في وقت متأخر بالنسبة للذين يستخدمونه من امراء السياسة واصحاب الاقطاعيات السياسية. فقد انشغل هؤلاء، منذ عام ٢٠٠٣ والى اليوم، بالسلطة، ولم يعيروا الدولة الاهتمام الذي تستحقه. وقد كنت، انا والصديق حسين درويش العادلي واخرون، من اوائل الذين انتبهوا الى هذه المفارقة والتحذير منها. وقد اعتبرتها من ابرز "عيوب التأسيس" التي رافقت العملية السياسية منذ انطلاقتها. ولكن لم ينتبه الذين مسكوا بازمة القرار لهذا التحذير، بل تجاهلوه عن عمد، وقصور، وتقصير. والانكى من ذلك، ان الجماعة لا يجسدون مفهوم الدولة في تصرفاتهم وسلوكياتهم السياسية، وليس من السهل تصورهم "بناة دولة"، وفاقد الشيء لا يعطيه! لقد كان القوم خلال السنوات ال١٨ الماضية رجال سلطة، وليس في الافق ما يشير الى انهم كفوا عن ان يكونوا كذلك. حتى الشعارات التي كانوا يطلقونها في المواسم الانتخابية السابقة حول هوية الحكومة هي شعارات سلطوية بامتياز. فجل تفكيرهم كان ومازال منصبا حول الحكومة: كيف تكون؟ حتى لم يكونوا يفكرون في كيفية بناء دولة تنسجم مع شعاراتهم المعلنة حول الحكومة. حتى حين ارتفعت الاصوات المطالبة بحكومة الاغلبية السياسية فاتهم ان مثل هذه الحكومة تتطلب ان تقوم الدولة على اساس المواطنة وليس على اساس المكونات، وان تطبق الدولة نظام الديمقراطية وليس التوافقية.  الصفة الثانية، ان "الدولة" المستخدمة في الخطاب الانتخابي غامضة مبهمة ملتبسة، حيث  ان القوم لا يملكون ولا يطرحون اي تصور واضح للدولة، لا في خطاباتهم الانتخابية ولا في سلوكياتهم السابقة. رغم تعدد النماذج الفرعية للدول في العالم اليوم، فانها لا تخرج عن نموذجين رئيسيين هما: الدولة الحضارية الحديثة بدرجاتها المختلفة، والدولة المتخلفة الفاشلة بدرجاتها المختلفة. والقوم يلتزمون الصمت ازاء هذا الموضوع، وهم اقرب الى النموذج الثاني منهم الى النموذج الاول. وهاتان الصفتان لا تشجعان على وضع الامل في مستخدمي خطاب "الدولة" في الحملة الانتخابية الحالية؛ فهم اقرب الى مقولة الامام علي في وصف الخوارج حينما قالوا: لا حكم الا الله، فرد عليهم: "كلمة حق يراد باطل. نعم إنه لا حكم إلا لله. ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله: وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن. ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الأجل. ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو. وتأمن به السبل. ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر و يستراح من فاجر." ولعمري، هذه بعض من وظائف الدولة كما بدت للإمام علي في زمنه، وهي وظائف اضاعها اصحاب خطاب "الدولة" الحاليون! ما اهدف اليه في كتاباتي هو وضع المفردات والمصطلحات السياسية في نصابها الصحيح،. منع عمليات الالتفاف عليها، وافراغها من محتواها الحقيقي. وهذا ما يحصل لكلمة "الدولة" الان!
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو محمد
2021-09-21
وهل كنت انت رجل دولة يوم تسلمت شبكة الاعلام العراقي ؟ اتمنى منك ان تكون شجاعا وتذكر لنا كيف استلمت المنصب؟ ماهو مستوى تدخل مكتب ر الوزراء في عمل الشبكة ؟ كم مرة صدرت اوامر بمنع الظهور الاعلامي في قناة العراقية لشخصيات محددة ومنهم السيد عادل عبد المهدي ؟ كيف كان الفساد في ايامكم ؟ كيف كانت المحسوبية والمنسوبية والعلاقات النسائية ايامكم ؟ وهناك الكثير من الاسئلة اتمنى ان تبدؤا بانفسكم قبل الاخرين.
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك