( بقلم : عباس الياسري )
يصر البعض على تقديم قراءات مشوشة للمشهد العراقي في محاولة لتشويه الواقع , وتمزيق المشهد السياسي والنسيج الاجتماعي , هذا المشهد الذي عانى الكثير من هذه القراءات غير المنطقية وغير المنصفة , والتي باتت تنم عن هجمة منظمة ومدروسة تشنها قوى عديدة مختلفة التوجهات متوحدة الهدف ,هذه القراءات ليست وليدة دخول القوات المتعددة الجنسية إلى العراق وإسقاط نظام صدام , بل لازمت الدولة العراقية الأولى منذ تأسيسها وحتى زوالها ,
ولعبت ظروف عديدة داخلية وخارجية دورا في تجذير هذه القراءات , حتى أصبحت هي القاعدة وما عداها شواذ , وان القارئ المنصف يحتاج إلى مرآة عاكسة لكي يستطيع القراءة بموضوعية وحيادية , وللأسف فأن المشهد العراقي هو الأكثر قابلية على الاختراق والاستباحة من قبل الجميع , وهذا بسبب الأنظمة المتعاقبة التي حكمت العراق , وخاصة نظام البعث الذي أفسح المجالات الواسعة والفضاءات الرحبة لمثقفين وأشباه مثقفين لكي يحللوا وينظروا ويقرروا بدل الأمة العراقية , ولكن هذه الفسحة كانت ضمن معايير , بحكم العادة أصبحت قوانين , وان كانت غير مدونة , تحكم وتتحكم بكل الأطر التنظيمية لهذه القراءات , ولم نرى خطوطا حمراء تخص القضية العراقية , مثلما يضعها هؤلاء لأنفسهم عندما يتناولون حدثا يخص بلدانهم أو بلدان عربية أخرى , وكنا نمني النفس أن تتغير الصورة بتغير الواقع وزوال النظام , وأن يتوخى البعض الدقة ويبتعد قدر الإمكان عن الأحكام المسبقة والموروثات الجامدة , والتي صيغت كقوالب جاهزة يحاول البعض أن يجعلها مقياس لكل زمان ومكان , معتمدا نفس المنهجية البحثية التي اتخذت من الموروث ( القومجي ) مرجعية فكرية وسلوكية , متجاوزا كل الطرق المنهجية الأخرى , مع محاولة عدم الاقتراب لا من قريب ولا من بعيد من آلية الدولة العراقية الزائلة , إلا في حدود الدراسات والبحوث الممنهجة والدعاية المضللة , وهذه المنهجية المتكلسة لا تفضي دائما إلى تفكيك هذه الآليات وبيان مدى همجيتها وعنصريتها وأطروحاتها الشوفينية وخطابها الطائفي البغيض , ولا يجعل من هذه الآليات أداة عمل ليقدم قراءاته على أساسها , لأنهم اعتبروا الخروج على هذه القوالب بدعة , وانصبت جميع التنظيرات على تمزيق الهوية الوطنية العراقية والنيل منها , وصهرها في هوية اكبر هي الهوية العربية , في مؤامرة مكشوفة لتذويب الجزء في الكل , وبالتالي أصبحت محاولات أي فئة سواء كانت دينية أو عرقية أو مذهبية للمطالبة بحقوقها المشروعة توصم دائما ووفق هذه القوالب بالعمالة والتآمر , وإنها تسعى لتفتيت الوحدة العربية وعرقلة بناء رسالتها الخالدة , تلك الرسالة التي مازالت عبارة عن أوهام وأحلام وأفكار طوباوية , وهذا ما وسع الفجوة بين هذه الأنظمة والنخب الثقافية من جهة والشعوب من جهة أخرى , واحدث اكبر شرخ في العلاقات في زمن الأنظمة القومية , و تسببت في قطع التواصل الفكري والحضاري سواء بين أجيال البلد الواحد أو مع شعوب البلدان الأخرى , حتى بتنا نواجه أزمة جديدة ولدت قراءات مشوهة جديدة لما يجري في العراق , سواء داخليا اعتمادا على مثقفي المؤسسة البعثية الزائلة , أو خارجيا بالاعتماد على منظري مؤسسة الثقافة العربية , فماذا لو قدمنا نحن أيضا قراءاتنا التي ربما تتبنى ردة الفعل , ونعتبر أن التفجيرات في السعودية والأردن ومصر هو مقاومة ,
وأن الذبح الذي تقوم به الجماعات الإرهابية في اليمن والجزائر والمغرب بأنه جهاد , وان نستقبل تيسبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية في بغداد , ونقول أن العرب وإسرائيل يخوضان ذات الصراع , وان تكون السيدة بضيافة رئيس الجمهورية , مثلما وصلت الدوحة بدعوة من أميرها وضيافته , مثلما صرح آري ميكيل الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية , وقبلها كان شيمعون بيرز , ويصافح وزير خارجيتنا ليفني مثلما فعل بن علوي , وماذا لو دعي شيوخنا وعلماءنا الحاخامات إلى بغداد مثلما فعل مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ , وماذا لو بكينا على موت رابين مثلما فعل غيرنا من العرب , والسؤال الأهم ماذا لو بكينا وأقمنا مجالس العزاء وأصدرنا بيانات حين يلفظ شارون أنفاسه الأخيرة , ونعتبره مجاهدا وبطلا للسلام , مثلما تأسف غيرنا لمرضه وحزن لتنحيته وهو في غيبوبته التي استمرت منذ كانون الأول من عام 2006 , معللين ذلك بنفس الاسطوانة المشروخة (شارون إلي تعرفه خير من أولمرت الذي لا تعرفه ),
حينها بماذا سينعتوننا وقد استنفذوا بوصفنا من قبل كل مصطلحات القاموس العربي من سب وشتم واتهامات وتوصيفات , هل سيعاملوننا بالمثل أم يكيلوا بمكيالين مثلما يفعلون معنا دائما , واعتقد جازما بأنهم سوف يطبقون علينا قوالبهم الجاهزة مستثنين أنفسهم من تلك القوالب , لذلك على كل المنظمات والمثقفين والنواب والساسة العرب ألا يتفاجأوا حينما يرون خطابا عراقيا جديدا لم يألفوه من قبل , يتناول قضاياهم ويستبيح مشهدهم , ويتناول محاولات منظمة حماس (المتباكية على المجرمين ) وعملها على إثارة حرب أهلية في فلسطين , وتهريب أسلحة وتجنيد إرهابيين للعمل في بلدان أخرى غير فلسطين , وكل هذا موثق بالصوت والصورة , وتدريبهم وتسليحهم للجهاديين الذين فجروا الأبرياء في منتجعات ذهب وطابا وشرم الشيخ , ولدينا القدرة لإرسال محامين للدفاع عن كل الذباحين والقتلة , والتطبيل لهم إعلاميا , ونستطيع أن نفضح كل الأنظمة سواء من جاء منهم على ظهر دبابة أجنبية أو على ظهر حصان عربي أصيل ...!! ونفضح غسيل الأموال الخليجية وعمليات تمويل الإرهاب , ونفضح ملفات احتلال عدن , والإبادة المنظمة للأكراد في سوريا , وتهجير القبائل في قطر , وغيرها من الملفات والقضايا والفضائح التي أصبحت روائحها تزكم الأنوف , إذا لدينا القدرة أن نقدم كل القراءات الصحيحة للواقع العربي المهزوم والمأزوم ,
كنا على استعداد لتناسي كل القراءات القديمة التي صورتنا فرس وأتراك , وعملاء وجواسيس , وغضينا الطرف عن مصادرة حقنا بالثورة والانتفاضة ضد الدكتاتورية , ووصفوا انتفاضتنا على أنها صفحة من صفحات الغدر والخيانة , وإنها آتية من عبر الحدود , وقراءاتهم الغبية المثيرة للسخرية , وهم يوصفون بطلهم القومي بأنه أسد داخل قفصه , رغم انه كان أول الفارين وأول المعتقلين , وكان تبريرهم دائما الرجعية والاستعمار هم من أوهم القائد أن يحفر في هذا البستان , والشعوبية لم تسمح له بالحفر أكثر مما حفر فكانت المؤامرة , وتمادوا ووصفوا الظاهرة الزرقاوية بأنها جهاد ومقاومة , وانه الآن في عليين مع الشهداء والصديقين , وتناسوا قتل الأبرياء وحز الرؤوس , لذلك هي دعوة صادقة لعزل كل الذين لا يحسنون قراءة المشهد العراقي وفضحهم , وبمراجعة متأنية واستحضار كل القيم والمثل العراقية لتقديم مشهد عراقي جديد , لا يستطيع احد قراءته بالمقلوب , وتحرم على فلسطيني خارطة الطريق اتهام العراقيين بالعمالة , وقطريي السيلية من وصفنا كأننا نمتطي الدبابات الأمريكية , ولجم مصري كامب ديفيد من تصوير العراقيين وكأنهم مساهمين باحتلال بلادهم , علينا أن نقول ما نؤمن به دون أي اعتبارات أو خطوط حمراء , ونعامل الجميع بالمثل , ولا تدعونا نبكي يوم موت شارون .
https://telegram.me/buratha