أ.د علي الدلفي || التّظاهراتُ السّلميّةُ؛ قطعًا؛ حقٌّ جماهيريٌّ قَدْ كفلهُ الدّستورُ وحفظَ حقّهُ القانونُ من أجلِ الضّغطِ علىٰ الحكومةِ لتحقيقِ مطالبَ معيّنةٍ؛ فالشّعبُ مصدرُ السّلطاتِ في الأنظمةِ الدّيمقراطيّةِ؛ والتّظاهراتُ وسيلةٌ لغاياتٍ محدّدةٍ؛ لا غاية في حدِّ ذاتها؛ كتوفيرِ فرصِ عملٍ والمطالبةِ بالقضاءِ علىٰ الفسادِ وتحقيقِ مبدأ العدالةِ الاجتماعيّةِ… وهلمَّ جرَّا. وفي الحالةِ العراقيّةِ لا بُدّ لنا مِنَ الاتفاقِ علىٰ أنَّ الوضعَ السِّياسيّ العراقيّ وفقًا لخلطةِ الخارجِ؛ وطريقة الحكمِ كانتْ تقودُ للفشلِ كلّما تقدّم بها الزّمن؛ فطريقةُ الحكمِ كانتْ تفتقرُ للحكمةِ والمهارةِ والأداءِ المُتحسّس لأوجاعِ الناس. وهي طريقةٌ انتبهتْ لها المرجعيّةُ الدّينيّةُ العليا ونبّهتْ علىٰ خطورةِ السّيرِ فيها؛ لأنَّها ستفضي حتمًا إلىٰ خروجِ الأمورِ عنَ السّيطرةِ؛ وهو مَا حصلَ فعلًا بسببِ افتقارِ السّاسةِ في العراقِ عمومًا إلىٰ فنِّ الإصغاءِ، وكأنَّ ما يحصلُ بينَ أيديهم كانَ مجرّدَ تسليةٍ أو لعبةٍ من الألعابِ أو عمليّةٍ تجاريّةٍ تخضعُ لمنطقِ المتاجرةِ المحكومِ بالرّبحِ والخسارة لكن ليسَ هكذا تُبنىٰ الأوطان. وأمّا بخصوصِ احتجاجاتِ "تشرين" فأقولُ: لدينا عدّةُ "تشريناتٍ" لا تشرين واحدة؛ منها: تشرين مطلبيّة حقّة رفعتْ شعاراتٍ واقعيّةً وحقيقيّةً وَقَدْ دعمتها المرجعيّة الرّشيدة ووصفتْ مَنْ مثّلها بـ (الأحبّة)؛ ودعمناها بقوّةٍ وحاولنا حمايتها مِنْ كُلِّ ما يشوّهها وَمَا يُسيء إليها. ولدينا تشرين سياسيّة؛ وتشرين خارجيّة؛ وتشرين حزبيّة؛ وتشرين تخريبيّة؛ وتشرين اجتماعيّة؛ ... إلىٰ آخره. والذي يهمّنا هنا هو الحديث عن تشرين المطلبيّة؛ لأنَّ (التشرينيّات) الأخرىٰ لهنّ محلّ آخر مِنَ الحديثِ؛ وَقَدْ قِيلَ سابقًا: (لكلِّ مقامٍ مقالٌ). أقولُ: المطالب التي رفعها المتظاهرون السّلميّونَ هي مطالبُ حقّةٌ وكان علىٰ الحكومةِ في وقتها أنْ تقفَ معهم وتستوعبهم وتوفّر ما تستطيعُ توفيره لهم من "فرص عمل؛ ورواتب رعاية اجتماعيّة؛ وإنهاء ملفّ البطالة والقضاء على الفساد؛ ....إلــىٰ آخرهِ". من أجلِ غلقِ البابِ أمامَ العابثينَ المأجورينَ وعدمِ فسحِ المجالِ للمتربّصينَ لأنْ يستغلّوا السّلميّينَ لاحقًا لانجاحِ مشروعهِم التّخريبيّ؛ ولأنّ المطالبَ التي رفعها المتظاهرونَ المطلبيّونَ السّلميّونَ هي مطالبُ حقيقيّةٌ وحقّة ومقبولةٌ بعدَ أنْ فشلتِ الطّبقةُ السّياسيّةُ برمّتها في بناءِ دولةٍ عراقيّةٍ وطنيّةٍ موحّدةٍ؛ يكونُ العراقُ فيها سيّدَ نفسِهِ. وَقَدْ أدّىٰ ضعفُ الدّولةِ العراقيّةِ بسلطاتها الدّستوريّةِ ومؤسّساتها الاتحاديّةِ والمحليّةِ وقطاعاتها الخدميّةِ كافة إلىٰ الانحدارِ لمستوىٰ الدّولةِ الهشّةِ من حيثُ العجزُ عن القيامِ بوظائفها الأساسيّةِ حتّى وصلتْ إلىٰ شفىٰ انهيارٍ وشيكٍ! وتتهددنا الأزماتُ حثيثًا من كلِّ جانبٍ لتفشّلَ حاضرنا وتأكلُ منسأةَ أجيالنا. وَمِنَ الجديرِ بالذّكرِ أنّنا كنخبٍ أكاديميّةٍ وطنيّةٍ كنّا أوّلُ الدّاعمينَ للاحتجاجاتِ مُنْذُ سنواتٍ مِنْ أجلِ الإصلاحِ الحقيقيّ وَقَدْ خرجنا لمواجهةِ الفاسدينَ وتظاهرنا ضدّ الفسادِ لعدّةِ مرّاتٍ؛ فتظاهراتُ تشرين المطلبيّةِ الحقّةِ لَمْ تكنْ أوّلَ تظاهرةٍ في العراقِ بَلْ سبقتها تظاهراتٌ عديدةٌ وكلّها كانتْ تدعو إلىٰ الإصلاح الحقيقيّ. وَقَدْ سبقَ وأنْ قلتُ وأكّدتُ إنَّ حقَّ التّظاهرِ مكفولٌ بالدّستورِ؛ وإنَّنا نؤمنُ بالتّظاهراتِ السّلميّةِ المعروفةِ قياداتها والمعلنِ برنامجها التي تحترمُ الحقَّ العامّ والخاصَّ؛ وهي وسيلةٌ لغايةٍ اجتماعيّةٍ عامّةٍ ومهمّةٍ كإجراءِ الانتخاباتِ المبكّرةِ؛ وتعديلِ قانونِ الانتخاباتِ للوصولِ إلىٰ قانونٍ منصفٍ يتحقّقُ فيهِ عنصرُ العدالةِ والمساواةِ؛ وإسقاطِ الحكومةِ؛ ... وهلمَّ جرَّا. أخيرًا… إنَّ محاربةَ الفسادِ والوقوفَ بوجهِ الفاسدينَ ليستْ ميزةً انفردتْ بها "تشرين" أو غير "تشرين".. إذْ يعلمُ جميعنا أنَّ "بعضَ" مَنْ كانَ يرفعُ شعارات "تشرين المطلبيّة" أصبحَ؛ بعدَ حينٍ؛ جزءًا مِنَ الحكومةِ ودخلَ مباشرةً في مشاريعَ اقتصاديّةٍ وتجاريّةٍ ولم تكنْ شعاراته في "تشرين" سوىٰ وسيلةٍ للوصولِ إلىٰ غاياتٍ شخصيّةٍ خاصّةٍ ونفعيّةٍ مثل: الاكتناز علىٰ حسابِ المصلحةِ العامّةِ ودماءِ الشّهداءِ التي سالتْ علىٰ أرضِ السّاحاتِ مِنْ دونِ ذنبٍ وَمِنْ دونِ معرفةِ مَنْ قتلهم!! لذا ينبغي إيجادُ قتلةِ المُتظاهرينَ وإحالتهم إلىٰ القضاءِ؛ ولا بُدَّ للقضاءِ العادلِ مِنْ أنْ يأخذَ بثأرهم وفقًا للقانونِ؛ ولا بُدَّ مِنْ مطالبةِ الحكومتينِ السّابقةِ والحاليّةِ بالكشفِ عَنِ الحقائقِ وإعلانها للناسِ؛ إذْ ينبغي أنْ نفهمَ ماذا جرىٰ وماذا حدثَ قبلَ "تشرين" وفي أثنائها وبعدها؟اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام https://telegram.me/buratha