المقالات

ازمة نظام..!


  محمد عبد الجبار الشبوط ||   ما يجري الان من "خلاف" حول الانتخابات ونتائجها ليس الاول من نوعه؛ فقد حصل في كل الدورات الانتخابية السابقة. وهذا التكرار يدفعنا الى القول اننا بصدد "ظاهرة" وليس حدثا منفصلا او فريدا.  وهذه الظاهرة لا تعتبر مشكلة فقط بالنسبة للنظام السياسي الحالي، وانما هي "ازمة"، واعني بها المشكلة الحادة التي لا يملك النظام ادوات حلها. واذن فنحن بازاء "ازمة نظام سياسي" وليس فقط مشكلة انتخابية. وهذا التشخيص يدفعنا الى رفع مستوى التفكير: من مجرد التفكير بحل المشكلة الانتخابية الى التفكير بحل الازمة البنيوية- الوظيفية التي يعاني منها النظام السياسي.  وتعود اسباب هذه الازمة الى سنوات التأسيس الاولى، ولذا كنت اول من اطلق عليها وصف "عيوب التأسيس". وهي عيوب كثيرة سبق لي ان عددتها وشرحتها في مقالات كثيرة سابقة.  ومن اهم عيوب التأسيس المزج "الغبي" بين نوعين من الانظمة، هما نظام المواطنة ونظام المكونات، او الديمقراطية التمثيلية العددية، والديمقراطية التوافقية النسبية. وادى ذلك الى تعطيل النظامين معا. كان من الممكن دراسة النظام السياسي الاميركي وهو نظام فيدرالي على اساس المواطنة، او النظام السويسري وهو نظام مكونات على اساس المواطنة ايضا، او على الاقل النظام الهندي وهو نظام فيدرالي- مواطنة، ومن ثم تصميم نظام سياسي يستند الى المواطنة ويتضمن في نفس الوقت حل المشكلة الكردية حلا سليما. ولكن لم يتحقق هذا، فلا قامت دولة مواطنة، ولا حُلت المشكلة الكردية. وانتهى الامر باقامة دولة مكونات مشوهة على مختلف الاصعدة.  وانتجت عيوب التأسيس هذه الكثير من المضاعفات السلبية، التي لا اعتزم تعدادها في هذه المقالة، سوى ذكر واحدة منها وهي: ان الانتخابات اصبحت جزءاً من مشكلة، وليست جزءاً من حل كما هو الحال في الانظمة الديمقراطية السليمة. فهذه الانظمة تلجأ الى الانتخابات من اجل حل مشكلة قائمة مثل قيام البرلمان بسحب الثقة من الحكومة القائمة. وهذا ما لا يتحقق عندنا لان الانتخابات لا تجري في بيئة صحية سليمة، انما في بيئة مريضة موبوءة بعيوب التأسيس ونتائجها. ومن خصائص هذه البيئة السياسية الانتخابية المريضة: اولا، اولوية الانتماء الطائفي والعرقي والحزبي على الانتماء الوطني. ثانيا، فساد الطبقة السياسية ممثلة باحزابها وقياداتها. ثالثا، تدني الوعي السياسي الديمقراطي عند الجمهور.  رابعا، العيوب الكثيرة في قانوني الانتخابات والاحزاب.   خامسا، عدم قدرة المجتمع السياسي على انتاج احزاب كبيرة تتمكن من الحصول على اغلبية برلمانية. وقد سبق ان بينت في مقالات سابقة ان احزابنا السياسية هي اما احزاب صغيرة او صغيرة جدا او مجهرية، ولا توجد احزاب كبيرة ولا حتى متوسطة الحجم. سادسا، عدم نظافة الانتخابات وحصول الكثير من عمليات التزوير والتلاعب. وهذه وغيرها مما يعرفه المواطنون معرفة حسية ملموسة. وكلها جعلت الانتخابات ونتائجها تُسهم بدرجة كبيرة في تعقيد عملية تشكيل الحكومة. ومما زاد الطين بله الثغرة الكبيرة في الدستور في المادة ٧٦ التي تقول:"يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء"، بدون ذكر رقم الحد الادنى المطلوب كما هو الحال في بريطانيا مثلا. وبذا اصبحت الانتخابات الية لتقاسم السلطة وليس الية لتداولها كما تقضي الديمقراطية الصحيحة.  ازاء هذه الازمة نحتاج الى مخرج حقيقي او استراتيجية حل exit strategy. وليس امامنا سوى حلين هما:  اولا، الحل على اساس مبدأ دولة المكونات الحالي بعد اجراء العديد من التعديلات عليه من اجل جعله حلا قابلا للاشتغال باقل التكاليف.  ثانيا، الحل على اساس دولة المواطنة، التي تتمثل في الدولة الحضارية الحديثة التي ادعو اليها منذ سنوات.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك