المقالات

لماذا رفض شهيد المحراب تحرير العمارة عام 1999

1909 13:37:00 2008-04-25

( بقلم : كريم النوري )

الفقيه السياسي يتسم بخصائص قد لا تتوفر عادة في غيره من الفقهاء الذين يحصرون دورهم على الدور العبادي وحده. وما يلاقيه الفقيه في عملية الاستتباط للاحكام ذات المنحى السياسي من مشقة فائقة وصعوبة بالغة يختلف كثيراً عمن يمارسه في بذل جهده في استنباط الاحكام العبادية وذلك للاسباب التالية:

1- ان الاحكام والمسائل العبادية تكون عادة من الثوابت التي يستفيد منها الفقهاء من نظرائهم واسلافهم الذين بذلوا الوسع وصولاً لهذه الاحكام بينما في المسائل السياسية فيجد الفقيه صعوبة بالغة وجهدا بالغاً في عملية استنباط هذه المسائل الخاضعة للتغيير الدائم والسريع فان المتغيرات السياسية والنظرة النسبية للواقع السياسي تختلف عن الاحكام الثابتة كالصوم والصلاة والحج والزكاة واذا حصل ثمة تغير فيكون في بعض التفاصيل وليس في الكليات كما لو تعددت موارد الاستطاعة في الحج في الواقع المعاصر او تغيرت اتجاهات القبلة كمن يريد الصلاة في الفضاء وغيرها من المتغيرات التي لا تلامس الاصل بل تعالج الجزيئات والتفاصيل.

2- لا يبذل الفقيه في استنباط المسائل العبادية عناية فائقة لتواترها في كتب الفقهاء القدامى وقد تأتي في الغالب جاهزة بينما القضايا السياسية فهي مسائل واقعية ومستحدثة لم يألفها الاخرون من الفقهاء ويعتمد ايجاد الموقف الفقهي والوظيفة العملية على الالمام بالواقع السياسي والظروف المحيطة وتشخيص الاولويات والمعرفة الاجمالية والالمام العام بالواقع المعاصر الذي له مدخلية في استنباط الحكم الشرعي.

3- ادلة المسالة العبادية المراد استنباطها متوفرة في مصادر التشريع كالكتاب الكريم والسنة المطهرة والاجماع بالاضافة الى سيرة المتشرعة بينما المسائل السياسية فهي تعتمد عادة على قواعد عقلية ومساحات ميدانية تتطلبها منطقة الفراغ (وهي مساحة شرعية يملأها الفقيه) وكذلك تعتمد بالدرجة الاساس على ادراك الواقع السياسي وتشخيص المفاسد والمصالح واعمال مبحث التزاحم او فقه الاولويات في استنباط المسائل السياسية كشرعية المشاركة في الانتخابات او شرعية الدستور او رأي المواطنين في التصويت وصناديق الانتخابات.

4- تعلق المسائل السياسية بالحكم والسلطة وادارة شؤون البلاد والعباد يجعل الفقيه في تحد كبير امام الحكام والسلاطين بخلاف القضايا العبادية التي لا يؤدي استنباطها الى استفزاز او اخافة الحاكمين بل هم يتظاهرون باحترام القضايا العبادية المتعقلة بالطقوس واداء العبادات كالحج والصلاة فهي لا ترعبهم كثيراً ولا تعد تدخلاً في شؤونهم كما هي المسائل السياسية التي تجعل الفقيه في مواجهة مستمرة مع حكام الجور.

5- الاضرار المترتبة على الاحكام السياسية هي اكبر واخطر من غيرها من المسائل العبادية التي تكون عادة بين العبد وربه بالاضافة الى المعاملات كالعقود والتجارة والحدود والقصاص هي مسائل حياتية لا تترتب عليها مخاطر كبيرة وجدية بينما المسائل السياسية فهي تتعلق بشؤون الناس وعلاقتهم مع الحكومات وقد يترتب عليها في الغالب اخطار محددة وضريبة باهظة. ولذا كان شهيد المحراب(قدس) يؤكد باستمرار بان العمل السياسي قد يؤدي الى مزالق ومآزق لو لم يتقن استخدامه او يحسن اداؤه.

والعمل السياسي وخصوصاً في ظروف العراق سابقاً ولاحقاً لو لم يعتمد على رؤية فقهية اشرافية تحدد الاولويات وتشخص المصالح العامة لادى الى نتائج كارثية تضر اكثر مما تنفع بل لا تنفع مطلقاً. ونستطيع الجزم بانه طيلة المواجهة العنيدة والصعبة مع النظام الاجرامي الصدامي الذي لا يتردد في ارتكاب أي كارثة في مواجه خصومه لم يسجل على إداء المعارضة العراقية في السابق اية اخطاء او خروقات وبالتحديد أداء فيلق بدر بإعتباره الجناح العسكري للمعارضة العراقية سابقاً قبل تحويله الى منظمة سياسية منزوعة السلاح.

قد تتطلب المواجهة مع نظام كنظام صدام لا يقفه الا لغة القتل والابادة ايجاد آليات انتقائبة واستثنائية لمجاراة ومواكبة التحديات وقد تؤدي هذه المفارقة بين نظام اجرامي لا يهمه سوى البقاء ولو على برك الدماء واشلاء الابرياء ويتمترس عادة بين الناس وبين قوة معارضة تلتزم باوامر شرعية تحدد مسارها وتوجه تكليفها بالطريقة التي تحفاظ على اخلاقية المواجهة.

وشهيد المحراب(قدس) كان لا يفكر بالمكاسب السياسية الطارئة التي قد تؤدي الى الحاق الاذى بالناس بل كان يواجه كل مشروع او مقترح عسكري او خطة هجومية كبرى برؤية فكرية اسلامية ويضع كل الاحتمالات والتوقعات ويستشرف المواقف المترتبة على ذلك ويصغي الى اهل الخبرة والتخصص العسكري بتقدير الموقف ورسم كل التوقعات وما يمكن ان يتمخض على العمل العسكري من هتك حرمات او كوارث خصوصاً ان طبيعة المواجهة مع نظام بوليسي لا يحترم اية مواثيق اخلاقية او دولية او انسانية. وليس سرّ ان نكشف حقيقة ما كان يجري في صفوف المعارضة العراقية المسلحة من مواقف لابد ان يطلع عليها شعبنا لكي يعرف الذين كانوا يتحركون لانقاذه ويفكرون بمصالحه وسلامته.

وفي هذا السياق قدم احد القادة الميدانيين مقترحاً عسكرياً لشهيد المحراب(قدس) يتضمن هذا الاقتراح تحرير محافظة العمارة من انياب البعث في عام 1999 في أربعينية السيد محمد الصدر ودعم هذا القائد الميداني خطته بمعلومات موثقة عن استعداد الوية من الجيش العراق للوقوف مع المعارضة وضباط كبار التقاهم اكدوا تقديمهم المعلومات والدعم العسكري لقوات بدر فرحب شهيد المحراب(قدس) بهذا المقترح واعلن عن استعداده لتغطية كل ما يتطلبه هذا العمل العسكري الكبير ولكنه (قدس سره) سئل هذا القائد الميداني عن تقديرات الموقف وردود فعل النظام المعروف ببطشه وفتكه وعن الاستعدادات لحماية اهالي العمارة من ردود فعل النظام الصدامي من قصف ومدفعية واستخدام كل ما تحمله ترسانة النظام السابق فأطرق القائد الميداني رأسه الى الارض ولم يجد جواباً مقنعاً سوى انه اجاب بالنفي وليس لديه اية استعدادات للرد على النظام وحماية المواطنين في العمارة من ردود فعل النظام الوحشية.

فأشار شهيد المحراب(قدس) الى القائد الميداني الى انه لو انتفض اهالي العمارة فعليكم الوقوف معهم بقوة ولكن ان تطالبوهم بالانتفاضة ثم تنسحبون او تختفون وتتعرض المحافظة واهلها لضربات النظام الاجرامية والوحشية فان هذا العمل له مردودات سلبية ستشوه سمعة المجاهدين امام اهلنا في محافظة العمارة الصابرة.

القائد الاستثنائي في الزمن الصعب يدرك المواقف ويستشرف كل ما من شأنه ان يؤثر على اداء ومسيرة حركته فليس النصر المؤقت والربح العسكري الطارىء عبر تحرير محافظة كبيرة كمحافظة ميسان هو الهدف الاساسي بل حماية الناس هو هدف اسمى ولذا يتخلى عن هذه المكاسب السياسية والعسكرية من اجل المواطنين الابرياء.القائد الفذ ليس الذي يقود انصاره وجماهيره الى محرقة المغامرات العسكرية الطائشة غير المتكافئة بل الذي يفكر كيف يحقق المكاسب العليا العسكرية والسياسية والمعنوية فان سمعة الحركة السياسية او العسكرية وتكريس اهتمام واحترام الجماهير لها هو هدف اسمى لانه اُنشئت أساساً من اجل الناس وحمايتهم وليس لجعلهم وقوداً لمكاسب وقتية طارئة.

هذه المواقف وغيرها مما سنشير اليها في الحلقات القادمة تكشف البعد القيادي والعقل الاجتهادي لشهيد المحراب(قدس) فما أحوجنا اليه في زمن تداخلت فيه الخنادق واحتجبت الرؤية وتعالت المزايدات والادعاءات.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
nazarhasn
2008-04-27
كم نحن محتاجين الى هكذا رجال ابطال العراق وشعب العراق فقده لو كان عايش بيننا لما حدث الذي يحدث الان ان الفراغ الذي تركه سماحة السيد المجاهد محمد باقر الحكيم (قدس) لن يملئ بعد ولكن عزائنا الوحيد ان العراق مصنع الرجال الابطال امثال الشهيد.
محمد عبد الزهرة
2008-04-26
لما قرأت العنوان خفت ان يكون رفض شهيد المحراب تحرير محافظة العمارة عام 1999 لاسباب فنية او عسكرية او نقص في السلاح والرجال وخفت ان يكون شهيد المحراب مقصرا وحاشاه من ذلك في هذا التحرير ولكن لما اطلعت على المقال عرفت ان رفضه كان حبا باهل العمارة وحمايتهم وليس حبا للمنصب والمصالح السياسية لكن الله اعلم حيث يجعل رسالته فان الله اخذه الى عليين لاننا لا نستحقه وهو اسبق لزمانه
علي العراقي
2008-04-26
مقال مثير يذكرني بمواقف العراقيين في يومنا هذا واهمية القيادة المخلصة لشعبها ولكني عتبي الشديد على المجلس الاعلى الاسلامي العراقي لماذا لا تكشفون هذه الحقائق للعراقيين ولماذا ما زال البعض لا يعرف قدر السيد الحكيم وحرصه علينا لماذا لا تكتبوا عن سيرة وعطاء هذا المجاهد الكبير شهيد المحراب لماذا تعتاشون عليه ولا تعيشون من اجله انه مجرد سؤال
fateema
2008-04-26
الاخ العزيز سيد كريم نحن لانستغرب من المواقف المشرفة لتلك العائلة الكريمة والتي نذرت كل وجودها من اجل الوطن وفقرائه ولكننا نستغرب من مراهقي السياسة والذين جعلوا جل اهمهم الخدش والقدح بتلك الرموز الوطنية والدينية المشرفة . شكراً على كشفك بعض الحقائق .
رهام كاظم
2008-04-25
نشكر كاتب المقال على هذه الافكار التي تكشف لنا عظمة هذا الشهيد العظيم الذي ضحى من اجل العراق وقدم مصالح شعبه على مصالحه الخاصة فاننا لو نمتلك قيادات بهذا الطراز لما حصل الذي حصل في البصرة ومدينة الصدر من عصابات تتحرك بوحي خطابات مهزوزة لا تقدر المصالح.
انوار الكربلائي
2008-04-25
سؤالي هو لماذا لم تظهروا هذه المواقف لكي يطلع اهلنا في العمارة الحبيبة وليعلموا ان السيد الحكيم هو قائد لا يريد السمعة على حساب سلامة شعبه فسلام عليه يوم ولد يوم استشهد ويوم يبعث حيا.
زهراء محمد
2008-04-25
والله العظيم ابكاني المقال فتذكرت كم نحن مححتاجين الى قائد مجتهد يقدر المصالح ويفكر بسلامة شعبه في وقت توالت على العراق قيادات كارثية لا تفكر سوى بمصالحها وانفعالها انه من مهازل القيادات التائهة
علي البصري
2008-04-25
كان الشهيد الحكيم قدست نفسه الزكيه مثال في الورع والاخلاق السياسيه العاليه وكان مثال الى الورع والتقوى وهو يعمل علىكلام جدة امير المومنين علي اذ قال(ما معاويه ادهى مني ولكن يفسق ويفجر ويسفك الدماء)
العراقي
2008-04-25
نشكرك يا اخينا على هذه المقالة النيرة ولقد اعدت لقلوبنا ذكرى كانت كل خواطر الامس لكن اردة الله سبحانة جل وعلا ان يقبض شهيدنا الغالي الى ملكوته والى جنانه مع محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم .... والله وقسما بلا اله الا الله اني كلما رأيت صورة ذاك الرجل المظلوم الشهيد السعيد سماحة اية الله السيد المجاهد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليه تخنقني العبرة ولن انسى ذلك اليوم الذي استشهد فيه فقد كان عنوانا للجهاد والبطولة والايمان
ابو علي
2008-04-25
تحية لك ايها الاخ الكريم سيدي الفاضل...اشجعك على الاستمرار بتلك الحلقات وساكون من المتابعين لك وانت تحصي لنا بعض المواقف السابقة وكيفية التعامل معها من قبل السيد اية الله العظمى شهيد المحراب قدس سره الشريف ..كي يستفيد منها المؤمنون لانها بمثابة قواعد يمكن الركون اليها في مجال التحرك السياسي ومايتطلبه من التخلق باخلاق ال محمد صلوات الله عليهم .. دعاؤنا لكم بالتوفيق .. ونشكركم على التذكير بمواقف الشهيد الحبيب الذي سكن قلوبنا السيد محمد باقر الحكيم صاحب الخلق العلوي والروحانية النورانية
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك