المقالات

حرف النظام البرلماني


  محمد عبد الجبار الشبوط ||   من المؤسف ان الطبقة السياسية تمكنت من حرف النظام البرلماني الديمقراطي وتشويه الديمقراطية، دون ان يؤدي ذلك الى رد فعل شعبي احتجاجي ضد هذا الانحراف، باستثناء الاصوات التي تشتم الديمقراطية والنظام البرلماني، وكأن المشكلة في النظام الديمقراطي البرلماني وليس في الطبقة السياسية نفسها.   لا اريد ان اشرح معنى النظام (الديمقراطي) و (البرلماني) وهما الكلمتان اللتان وردتا في المادة الاولى من الدستور العراقي حيث تقول:"جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم  فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ". فالكلمتان مشروحتان باستفاضة في كتب القانون الدستوري والعلوم السياسية والعديد من الدراسات والمقالات، فضلا عن وجود نماذج تطبيقية لها في العديد من دول العالم في مختلف قارات الارض. ولذا لا يعسر على الانسان النبيه المتتبع ان يعرف دلالات هاتين الكلمتين. لكني ساكتفي بالقول ان ما هو مطبق في العراق لا يشبه شيئا من الانظمة الديمقراطية البرلمانية الموجودة في العالم. صحيح ان الوضع في عام ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦ كان مختلفا بعض الشيء، لكن ما آل اليه الوضع بعد عام ٢٠١٤ شكّل قطيعة نهائية مع المفهوم الاكاديمي لكلمتي النظام البرلماني الديمقراطي. وهذا ما تسميه الدراسات بالانحراف الديمقراطي، بمعنى انحراف النظام السياسي القائم عن اسس ومباديء وقواعد الديمقراطية البرلمانية التمثيلية بصورة عامة. ومن المفيد جدا دراسة الاسباب التي ادت الى هذا الانحراف، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية: اولا، سياسات الولايات المتحدة بوصفها الدولة "القائمة بالاحتلال" حسب تعبير مجلس الامن الدولي، والدولة الراعية للنظام الديمقراطي البرلماني الجديد، حسب زعمها. ثانيا، عدم وعي الطبقة السياسية التي تولت السلطة لمعاني ومباديء ومفاهيم الديمقراطية، وربما عدم ايمانها بها. ثالثا، تعارض المصالح المستجدة هذه الطبقة الحاكمة مع مباديء الديمقراطية.  رابعا، عدم توفر مستلزمات الحد الادنى لاقامة النظام الديمقراطي البرلماني في المجتمع العراقي. خامسا، عدم وجود الحاضنة الشعبية للديمقراطية  والمدافعة عنها. سادسا، وجود ثقافة مضادة موروثة من العهود السابقة للافكار الديمقراطية البرلمانية وخاصة الافكار البعثية والقبلية والشعبوية والاسلامية المتطرفة. ورغم ان النظام  الديمقراطي البرلماني يحقق مصلحة للشعب اكثر ما يفعله النظام النقيض له، اعني النظام الاستبدادي، الا ان انحراف الطبقة السياسية الحاكمة عن النظام الديمقراطي البرلماني لم يثر غضب الشعب واستنكاره، علما ان هذا الانحراف يشكل ايضا انتهاكا سافرا للدستور. صحيح ان قطاعات واسعة من الشعب نزلت الى الشارع في تظاهرات احتجاجية ضد الطبقة السياسية، كان اشدها التظاهرات الاحتجاجية في شهر تشرين الاول عام ٢٠١٩، الا ان هذه التظاهرات لم تشكل احتجاجا على الانحراف الديمقراطي ورفضا له، ولا طالبت بالعودة الى الديمقراطية الصحيحة فكرا وممارسة؛ بل كانت في اغلبها تظاهرات مطلبية ركزت على توفير الوظائف والخدمات وغيرها من الامور التي لا ترقى الى مستوى المطالبة بالديمقراطية. وكان هذا القصور مبعث راحة واسترخاء للطبقة السياسية التي قدمت تنازلا سياسيا مزدوجا، تمثل في استقالة حكومة عادل عبد المهدي، ثم تنصيب مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة فيما شكل اكبر انتكاسة للمسار الديمقراطي في العراق. واذا تذكرنا ان "بعض" ما يجري في العراق هو "بعض" صدى لبعض التنافس الاقليمي والدولي في العراق، ادركنا ان الديمقراطية، وبالتالي الشعب العراقي المحروم من الديمقراطية الحقة، قد دفعا ثمن هذا التنافس. واكثر ما يؤلم ان بعض الناس، بدل ان ينهضوا دفاعا عن مصالحهم الحيوية ممثلة بالديمقراطية، راحوا يلعنون الديمقراطية، ويتمنون اشكالا من الحكم تزيد العراق بعدا عن الديمقراطية. لا الوم احدا بهذا، بقدر ما اريد ان الفت النظر ان عيوب التأسيس التي نعاني منها لا تعالج الا بمزيد من الديمقراطية وليس بالنكوص عنها. 
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك