إيمان عبدالرحمن الدشتي
(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم)، (الناس صنفان، فإما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)، هذان قولان لله تعالى ولوليه سيد الأوصياء عليه السلام، يعطيان بهما الحق للعيش بحياة حرة كريمة وبمساواة إلا بما جعلها الله تعالى مبدأ للتفاضل والتمايز وهي التقوى، وهذا الحق مكفول لجميع بني البشر بما فيهم الكرد الفيليون.
يتألف الشعب العراقي من أديان وقوميات ومذاهب متعددة، يعتبر المكون العربي الأكبر نسبة في عدد سكانه من حيث القومية، أما أتباع أهل البيت عليهم السلام فهم يشكلون الغالبية العظمى لسكان العراق من حيث التمثيل المذهبي والعقائدي، وأما الآخرون فمن حيث التصنيفات الدينية والقومية والمذهبية فهم أقليات.
وهنا اخص فئة من فئات الشعب العراقي ألا وهم الكرد الفيليون الذين جمعوا بين القلة والكثرة، فهم أقلية من حيث القومية ومن ضمن الأكثرية من حيث المذهب والمعتقد.
الموطن الأصلي للكرد الفيليين هو على جانبي الشريط الحدودي بين العراق وإيران، وقد إنتقل قسم كبير منهم الى معظم محافظات العراق وبالخصوص الوسطى والجنوبية منها، وشاركوا باقي سكانها بالعطاء والفداء.
عشقوا العراق أرضا وسماء وارتووا من مائه ومن خيرات أرضه، ولكن رغم ما حملوه من مشاعر الوطنية والاعتزاز بالإنتماء لأرض العراق إلا أنهم قوبلوا بالتخوين، فدفعوا في مطلع السبعينات من القرن المنصرم ضريبة عشقهم لارضهم واعتزازهم بقوميتهم وفخرهم بمذهبهم، فكانت التسفيرات الاولى لهم بابعادهم عن أرضهم وديارهم الى خارج الحدود حيث الجارة إيران، ثم أعادوا الكرّة عليهم في مطلع الثمانينات بحقد وظلم أكبر، فتعرضوا الى أكبر حملة تهجير وتسفير دونما واعز من ضمير او ذرة من الإنسانية، فرموا في الصحاري بلا مأوى او طعام او مشرب، فاحتوتهم الجمهورية الإسلامية ووفرت لهم بيئة آمنة بحسب إمكانياتها وهي المتفضلة في ذلك.
ولو كشف الزمان عن سجله لأبرز صفحات ملؤها الألم واللوعة والمرض أصاب أفراد العوائل المسفرة ومن خُلّف ورائهم من ارحامهم حتى وصل الحال ببعضهم الى حد الجنون، فكم من والدين ابعدوا عن أبنائهم وبناتهم ممن هم مستقلون في سكنهم بسبب زواج او سفر او قسم داخلي وغيرها من الأسباب التي لم تمكن الأولاد من الالتحاق بهم وظلت قلوب الطرفين تكابد لوعة الفراق، وكم من خاطب ابعد عن خطيبته او بالعكس وقتلوا بذلك مشاعر عشق وليد، وكم وكم...، وسعيد الحظ فيهم من سفّر بكامل أفراد عائلته، لأن النظام المجرم فيما بعد ابتكر ظلما اشد بشاعة في طريقة التسفير ، حيث قام بسلخ الشباب عن أهليهم واودعهم سجونا خمّدت أنفاسهم إلى أبد الدهر، وربما اصعبها ما كشفه الزمان من أن معظم الشباب الذين خُلفوا لقوا حتفهم حينما أمر النظام المجرم بجعل أجسادهم الطاهرة دروعا بشرية لتأمين الأرض الملغومة لحماية جيشه في فترة عدوانه على الجمهورية الإسلامية.
أما القسم الآخر من الفيليين الذين لم يطالهم قرار التسفير فلم يكن حالهم بأحسن ممن سفّروا، فقد شعروا للوهلة الاولى أنهم محظوظون، إلا أنهم عاشوا مظلومين ومهمشين وتحت الرقابة الأمنية، فلا يحق لهم التقديم على الكليات التروبية والتعليمية، ولا يحق لهم التعيين في وزارات الدولة الحساسة في نظرها، والتي تحتاج الى موظفين يحملون الوطنية!!، وغيرها من الظلامات.
كل ما تم ذكره هو جريمة كبرى لنظام إجرامي لم يكن أحد من خلق الله بمنأى عن شروره لا بشرا ولا حجرا ولا مدرا ولا طيرا ولا حتى هوام الأرض، إلا من أظهر له التذلل والخنوع، إلا أن الأشد إيلاما هو أن هنالك بعض النفسيات التي ممكن ان نسميها "المريضة والمتخلفة" ان صح التعبير، لازالت تمارس نفس الدور الصدامي مع الكرد الفيليين، فتنظر إليهم باستعلاء وانتقاص من كرامتهم وتنعتهم بالغباء، حتى أن الفيليين ان رغبوا بالزواج من بنات هؤلاء او العكس فإنهم لا يزوجون!!، متناسين ان شريحة الفيليين كباقي الفئات لم تترك مجالا للإبداع إلا ودخلته، فخرجت العلماء والفضلاء في كل مجالات الحياة، حتى ان الحوزة العلمية في النجف الاشرف ابّان فترة التسفيرات فرغت كثير من حلقاتها الدراسية من الطلاب الفيليين لأنهم سفروا، وضُرب العصب الاقتصادي للعراق بتسفير كبار التجار من الكرد الفيليين الذين كان اقتصاد البلد مستندا عليهم.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
(لعمرك ما الإنسان إلا بدينه .. فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس .. وقد وضع الشركُ الشريفَ أبا لهب)،
فإن استضعف الإنسان أخيه الإنسان لقومية فليعلم أن الخالق واحد وحيث اوجده أوجد أخيه، وهو تعالى القائل: (ولقد كرمنا بني آدم)، وان كان الاستضعاف لأجل دين او معتقد، فالإنسان حر بما يعتقد (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، وكفى بالكرد الفيليين فخرا أن مولاهم بعد النبي الخاتم "أمير المؤمنين علي واولاده" عليهم صلوات الله وسلامه، "وهذا فخر ما بعده فخر".
https://telegram.me/buratha