المقالات

لا حلّ إلا بمعالجة تطرف الفكر الوهابي .. وبقيت المعالجة الفكرية

1258 14:48:00 2008-04-27

( بقلم : سعد الشريف )

ليست دعوة جديدة، وربما لن تكون ولن تتوقف إذا ما أصرّت الحكومة على المعالجة الأمنية كخيار وحيد ونهائي من أجل قطع جذور التطرف.. لقد أعلنّاها منذ سنوات بأن لا سبيل أمام الحكومة والمؤسسة الدينية سوى خوض غمار المراجعة الفكرية الشاملة، التي تتطلب فحصاً دقيقاَ لتراث ثقيل من المصنّفات الدينية، والفتاوى، والنشريات الشعبية، ومناهج التعليم الديني والتي تنطوي في مجملها على نزوعات تحريضية مباشرة وغير مباشرة، وهي المسؤولة عن صنع خطاب راديكالي يغذي مشاعر التطرف والعنف.

مثال واحد يكفي، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، فمطالعة في موقع اللجنة الدائمة للدعوة والإفتاء والإرشاد على شبكة الإنترنت تكشف قدراً كبيراً من الفتاوى التكفيرية لأديان ومذاهب وأيديولوجيات، يتم الرجوع إليها بصورة دائمة من قبل عوام الناس، وتسهم في تشكيل مناخ خصامي ضد الآخر. للتذكير فحسب، أن اللجنة هذه ليست سوى مؤسسة رسمية ترعاها الدولة مالياً ومعنوياً، وتمثّل مرجعية تشريعية لها.

ليس جديداً ما نذكره هنا، وقد نبّه إليه عشرات غيرنا، فمجرد إلقاء القبض على عناصر متشددة تتبنى العنف خياراً إستراتيجياً في التغيير أو إخضاعهم لدورة تثقيفية مكثّفة من قبل (لجنة المناصحة)، لن يفي بالغرض بعيد المدى، فثمة مصادر تغذية أيديولوجية مازالت ناشطة وتتربى عليها أجيال أخرى، فهل تكتفي الدولة في سكب الماء في كأس مفتوح من طرفيه؟ أما أن ما تبنيه الدولة تهدمه المؤسسة الدينية، أو هكذا تكون لعبة اللوم التي يحلو للسياسي أن يخوضها من أجل التنصّل من مسؤولية إنتشار التطرف، وهو الذي كان لعقود طويلة يرعاه.

كتب بعض المراقبين لما يعتقده البعض بالحملة السعودية على المتطرفين، بأن ثمة مطالبة بشن حرب فكرية ضد القاعدة، وفي ذلك تعمية لحقيقة كبرى، إذ لا يمكن الفصل بين فكر القاعدة ومصدره، فهذا الفكر المتطرف نشأ وترعرع في أروقة الدولة وتحت إشرافها، إذ لا يعقل أن تعمل المؤسسة الدينية الرسمية دون علم الحكومة، فلماذا يشدد إذاً الأمير نايف على سلفية الدولة، ويؤكد ولي العهد على تطبيق الدولة لأحكام الشريعة، ولماذا يحفل مجلس الملك بحضور كثيف للعلماء، ولماذا تكون مناهج التعليم الديني الرسمي من مهمة المؤسسة الدينية الرسمية؟.

في ضوء ذلك، يرى محللون كثر بأن المعالجة الأمنية غير مأمونة ولا مضمونة النجاح ما لم تكن جزءً من إستراتيجية شاملة تعتمد على المراجعة الفكرية الدقيقة لمجمل التراث السلفي.

فاعتقال مئات من المتورطين بالإنتماء لتنظيم القاعدة في السعودية لا يكفي لدفن التطرف وقطع دابر العنف، إذ لا يواجه الفكر بالرصاص، وإنما بمواجهة فكرية من سنخها. الشيخ محسن العواجي يقول أن (الدولة قضت على الخطر الظاهر بالمعالجة الامنية، لكن الخطر الكامن موجود وهو خطر جسيم. ليس هناك ضمانة أن المعالجة الامنية ستنجح إن لم يكن هناك تصدي للفكر المنحرف) الذي يتبناه المتطرفون. ويؤكّد العواجي بأن (على الرياض أن (تستنفر المجتمع بكامل طاقاته ورموزه الفكرية والدينية والنفسية والاجتماعية للتصدي للفكر التكفيري). ولم يوضّح العواجي، أين تقبع مصادر الفكر التكفيري، وطريقة المعالجة الفكرية المطلوبة، بالنظر الى إشادته بما وصفه بالمشروع التوعوي في السجون، في إشارة الى (لجنة المناصحة)، إذ لا يمكن أن تتم المعالجة مقتصرة على المتطرفين الظاهرين أو من وقعوا في قبضة الأجهزة الأمنية، وإغفال المتطرفين الكامنين والمرشّحين والذين مازال الفكر التكفيري يمثل مصدراً أساسياً لوعيهم الديني. ولذلك تبدو مقاربة التطرف كمشكلة مجتمعية أكبر من أن تعالج أمنياً، أو داخل الغرف المغلقة، أو محصورة في فئة محسوبة على تنظيم القاعدة، فمشروع كهذا يتطلب مشاركة رجال الدين والأكاديميين والأطباء النفسيين (لتوعية المجتمع بخطورة هذا الفكر الذي يهدد أمنهم) على حد المراقب لنشاطات القاعدة فارس بن حزام، الذي يرى بأن (الفكر التكفيري موجود، والأرضية الخصبة لوجود هذا الفكر موجودة مثل نشر الكراهية والخصومة لغير المسلمين والأجانب) وهو موجود على حد قوله: (في الشارع وفي المسجد وفي الندوات والمحاضرات). ويشكك حزام في نجاح المعالجة الأمنية إذ (ليس هناك ضمانة بأن هذا النجاح سيستمر بسبب غياب المعركة الفكرية).

من جهة ثانية، نقلت وكالة (رويترز) من الرياض في الثاني من ديسمبر تصريحات لوزير الداخلية الأمير نايف قال فيها أن (رجال الدين السعوديين لا يبذلون جهداً كافياً لمكافحة التشدد بين الشبان السعوديين بمن في ذلك من يريدون القتال في العراق). وهذا هو ثاني إنتقاد لرجال الدين من الأمير نايف هذا العام. وفي يونيو حزيران قال في كلمة أمام المئات من رجال الدين أنه يتحتّم عليهم وقف السعوديين الذين يشنون هجمات إنتحارية في العراق. وفي جوابه على سؤال لصحيفة (عكاظ) في الأول من ديسمبر حول ما إذا كان يشعر أن (تقدماً) أحرز منذ هذا الإجتماع قائلا (لا.. ليس بالمستوى الذي أتمناه).

ونقلت الوكالة أن ثمة تقارير في السعودية تحدثت عن محاولة أبناء رجال دين سعوديين بارزين الإنضمام للمسلحين من تنظيم القاعدة في العراق. وتشعر السلطات السعودية بالقلق من إمكانية عودة السعوديين الى البلاد لمواصلة قتالهم في المملكة. ويقول معلقون أن التقارير بوجود سعوديين في العراق أصابت البلاد بحرج.

وأقرّ الأمير نايف بوجوب (أن يكون هناك عمل فكري قادر وقوي) يكون داعماً للمعاجلة الأمنية ومن أجل تصحيح النظرة حول الإسلام، وحقيقة الإيمان بالله. هذا الإكتشاف المتأخر لضرورة المعالجة الفكرية جاء على خلفية التقارير الأمنية التي نشرت مؤخراً حول ضلوع عدد كبير من الشباب السعوديين في العمليات الإرهابية داخل العراق، وتصاعد الإتهامات ضد أطراف في الحكومة السعودية تقوم بتسهيل سفر بعض الراغبين في القتال داخل العراق ولبنان، أو عدم قيام السلطات السعودية بالإجراءات اللازمة في الحرب على المتطرّفين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك