د. اسماعيل النجار ||
إلىَ أين نحنُ ذاهبون خلف هؤلاء السياسيين الذين أهلكونا وسحقونا ودمرونا؟
إلى مَتَىَ سنستمِرُ نَجِدُّ السير خلفهم، وهم أوصلونا إلى التَهلُكَة، وألقَوا بنا في قعر هاوية الفَقر والعَوَز؟
لقد أصبَح لِزاماً علينا كلبنانيين، دون تمييز، أن نقوم بمراجعة ذاتية لِاتّباعنا أهواءنا، منذ العام 1992 حتى اليوم،
وعلينا أن نحاسب أنفسنا على تصديقنا لهم، ومنحنا إياهم الثقة، وتسليمهم زمام أمورنا بإيلائهم شؤوننا، فهم ما كانوا، ولم ولن يكونوا بمستوَى الآمال المعقودة عليهم: خانوا الأمانة ولم يكونوا جديرين بها، ولا أهلاً لها!
ومن بين الأسئلة التي تجولُ في خاطرنا:هل نحنُ فعلاً أخطأنا، يَوم تنازلنا عن تبيان أخطائهم وتفنيدها واحدة تِلو أُخرَىَ، ولحظةً بلحظَة، وعدم محاسبتهم كرمَىَ لعناوين عريضة أكثر، وذات أهمية أكبر، حتىَ وصلَت التايتانيك بنا إلى حافة جبل الجليد فأصطدمَت به وغَرِقَت فأغرقتنا معها؟
إذا كان الأمر كذلك، فما علينا اليوم إلَّا أن نقوم فعلاً بمراجعة سريعة وحقيقية، وأن نُطِل على أصل المشكلة، ونكشف الغطاء عن مكامن الخَلَل في النظام السياسي اللبناني بِرُمَّتِه، وهو الذي نشكلُ نحن جزءاً أساسياً منه،ونتشاركُ فيه مسؤولية الِانهيار مع الآخرين بشجاعة، من دون أن نلقي اللوم عليهم وحدهم، وكأننا كُنّا في عالم العدَم، وأتينا بعد حصول الجريمة بساعات.
في الحقيقة، نحن كلبنانيين، بكل مُكوناتنا، مارسنا السُلطَة، وعشنا حلاوتها، ونآلَ البعضُ مِنَّا الكثير من نعيمها وخيراتها، من دون وجه حق، عن طريق المحاصصة والتراضي والسمسرَة والمحسوبيات.
فريقٌ تَنَعَّمَ بها بكل مفرداتها وتفاصيلها، وفريقٌ آخر كانَ متفرجاً على المتنعّمين بعينيه المفتوحتين، بقيَ لفترة طويلة من الزمن شبيهاً بالسمَك المقلي مفتوح الفم والأعيُن طيلة ثلاثين عاما.
سعر صرف الدولار تخطَّىَ الثلاثة والثلاثون ألف ليرة لبنانية، وجنون ارتفاع الأسعار آخذٌ بالتصاعد بلا قيود، وجشع التُجار الذي إبتلَع كلّ ما ادَّخرهُ ومآ ينتجه اللبنانيون، وكل ذلك يترافق مع إصرارٍ كبير لأمراء الحرب الحاكمين، على بقائهم في السُلطَة واستمراريتهم فيها،وهم مُنكَبون على العمل ليلاً نهارا من أجل إعادة تدوير أنفسهم، والخروج إلينا بوجوهٍ أخرى، وخطابٍ آخرَ يسكنه الثعبان نفسه.
الطائفية السياسية هيَ سبب بلاء لبنان وأساس محنته.
القيد الطائفيُّ على الهوية، هو واحد من أسباب مصائب لبنان وعنصريته،
الدوائر الإنتخابية المُصغرَةُ، كجيوب القمصان المُفَصلَة على قياس أمراء الحرب، هيَ مَن تساعدهم على البقاء أحياء، وعلى التنفّس.
وسائل الإعلام المَرئيَةُ والمسموعةُ الخاصةُ التي تعتاشُ على أموال السفارات، هيَ الأُخرى سببٌ في هلاك الوطن، بِبَثِّ التفرقَة ونفث السموم فيه.
تصنيف الفئات حسب القيد الطائفي، في المؤسسة العسكرية: فئة أولى وثانية وثالثة ورابعة، أضعفها وجعلها عاجزة.
سكوت المواطنين، عن فداحة أخطاء سياسيِّيهم، جريمةٌ يرتكبونها بحق أنفسهم.
المطلوب استفاقةٌ عاجلةٌ واستِدارةٌ سريعة وجردةُ حساب، لأداء كل الأحزاب على الساحة اللبنانية، دون استثناء،جردةٌ مبنيةٌ على نَقْدٍ علميٍّ، ومُوَثَق لكل مَن بَنَىَ وحَرَّر وحمىَ وأنجَز، وكل مَن عآث في البَلد خراباً ومحاصصةً ونهباً وعمالةً للخارج وتواطؤاً، بوجهين ولونين!! حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
ولْيَكُنْ معلوماً، لدى الجميع، أنّنا، من دون هذه المراجعة،لن تقوم لنا قائمة، ولن نستطيع إنتاج سلطة تليق بنا، من داخل صناديق الِاقتراع، وسنبقىَ كما نحن، لابل سيكون مستقبلُ أبنائنا قاتمٌاً أكثر،وبكل تأكيد،سنورثهم الذُل والفقر وسيكون أبناء مغارة علي بابا هم الأسياد عليهم، وسينتهي الوطن ويتلآشىَ،فنكون كمن يأتي باللّعنة إلى
نفسه .
بيروت في....
14/1/2021