مالك العظماوي ||
ما يثير الإستغراب لدى شريحة واسعة من المجتمع عن سبب وجود هذا التفكك العجيب في مجتمعنا العراقي وتنوع وجهات النظر فيه لحد التناحر والتنابز والتكفير والخروج من ملة الإسلام، بل وقد يصل إلى حد التقاتل إذا لم يكن هناك علاجاً ناجعاً وبتظافر الجهود من جميع الاتجاهات والمذاهب والأحزاب والشرائح.
ولابد من الوقوف على هذا الاختلاف الذي بدأ منذ التسعينات وبالتحديد بعد إنتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، أما ما قبل ذلك فالإختلاف يسير ولم يصل لهذا الحد. وهنا لابد أن نسجل بأن الإختلاف موجود في جميع المجتمعات منذ الأزل، لكننا نقصد هنا بالإختلاف الخطير الذي يهدد السلم المجتمعي وحياة الأفراد.
أنواع الإختلافات:
وعلينا أيضاً أن نؤشر هنا أنواع هذه الإختلافات والتي تفاقمت حدتها في وقتنا الراهن. فالتشظي والإنشقاق والتصارع والإحتراب والتربص بالآخر، إنما هي مجموعة من الإختلافات التي يمكن إيجازها بما يلي:
- الإختلافات القومية: وهي ما نراه من صراع وإقتتال غير معلن بيننا وبين الإخوة الكرد، والذي يريدون من خلاله السيطرة على كل شيء، وإبتلاع كل شيء من دون تقديم أي شيء لهذا البلد، ومن ثم الرغبة العلنية والصريحة للإنفصال عن العراق بحسب تصريح قادتهم السياسيين، بل على مستوى الإنسان الكردي البسيط. وهذا لعمري لم يكن موجوداً في مجتمعنا قبل تغيير النظام الديكتاتوري، لأسباب تتعلق بعدم إستطاعة القادة الكرد بالتصريح علناً خشية بطش النظام - آنذاك - وهذا بالتأكيد حسنة تحسب لتوحيد الشعب العراقي بصورة وبأخرى.
- الإختلافات الدينية والمذهبية: وللحقيقة التاريخية لابد أن نثبت بأن لا يوجد أي تصادم أو تصارع بين الأديان المختلفة في البلد سواء أكانوا مسيحيين أم صابئة أم إيزيديين أم غيرهم، ولم نرَ أي تصادم بين هذه الأديان المتنوعة وذلك بسبب نظرة الدين الحنيف بمبدأ [لكم دينكم ولي دين](١)، أو بسبب ان تلك الأديان هي مسالمة بحد ذاتها، ماعدا حقبة تنظيم (داعش) الإرهابي الذي جاء بآسم الإسلام والإسلام منه براء. أما بين المذاهب، فالحقيقة لا يوجد أي تناحر بيننا وبين إخوتنا السنة إلى زمن قريب، إلا إن بعض المتأثرين بالفكر الوهابي الإرهابي مؤخراً هم من يحاولون أن يجعلوا فجوة بين أبناء الدين الواحد، وبالطبع فإن نسبتهم قليلة مقارنة بالخيرين من أبناء السنة والجماعة في العراق.
- الإختلافات العقائدية: ومما يؤسف له فإن الإختلاف العقائدي أخذ منحىً خطيراً في مجتمعنا الحسيني الموحد! وقد بدأ هذا التفكك العقائدي في منتصف التسعينات وبالتحديد بعد وفاة المرجع الخوئي (قدس سره). فتم تنفيذ المخطط البريطاني - الصهيوني البغيض وتم تقسيم الحوزات؛ فارسية وعربية، أجنبية وعراقية، ناطقة وصامتة، عاملة وتقليدية، ونائمة ومستيقظة! ونتج عن ذلك إنقسام خطير بالمجتمع وصل إلى التكفير والتقاتل وإراقة الدماء.
- الإختلافات الحزبية: وهذا بحد ذاته أمر ليس بالخطير لو كان ضمن الحدود الإعتيادية، أما ان يصل إلى الحد الغير معقول فهذا ضعف وتفتيت للمجتمع. فقد أصبحنا بدريون وفتحيون وصدريون وحكيميون وأتباع قانون وتشرينيون وإمتداديون .. وغيرها من المسميات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، سوى الفرقة والتناحر والصراع على السلطة! والمشكلة الأدهى والطامة الكبرى إننا جميعنا أتباع أهل البيت عليهم السلام، ولكنه إنتماء زورٍ وبهتانٍ.
- الإختلافات العشائرية: ولِما للعشيرة من أهمية في ترابط المجتمع ووحدته(٢)، فقد إستهدف الإستكبار من خلال أدواتهم هذه الشريحة المهمة وقاموا بتفكيكها وإضعافها بإيقاد نار الحقد والكراهية بين أفرادها، وتشجيع صغار العشيرة على التمرد على رموزها وكبرائها. فقد أصبح التناحر والتصارع من أجل المشيخة والتنازع فيما بين أفراد العشيرة الواحدة، وظهر لدينا؛ شيوخ الدمج والشيوخ الأصليين، وشيوخ التسعينات(٣) والشيوخ الحقيقيين، وشيوخ الفيسبوك وشيوخ الدواوين! وهكذا فقد بان الصراع واضحاً، وأصبح الشيوخ أكثر عدداً من الناس العاديين، بل ومنهم أصبح شيخاً على أبنائه وعائلته فقط.
أسباب الإختلافات:
ويعزو بعض المختصين بالشأن العراقي ان هذا التشظي والتناحر والاختلاف، وخصوصاً بين أبناء المذهب الشيعي، يعود إلى عدة عوامل:
- منها: الإبتعاد عن الله تعالى والإنغماس بماديات الحياة وملذاتها، والانشغال بالأعمال والسعي وراء الكسب بعيداً عن تعاليم الدين الحنيف ووصايا الأئمة الأطهار عليهم السلام.
- ومنها: الخطاب المسيء لعلماء الدين والتقليل من شأن الحوزة العلمية ووصفها بأقذع الأوصاف وتنفير الناس منها والإبتعاد عنها. فقد بدأ هذا الخطاب المحرض ضد الحوزة ورموزها أبان حكم البعث وبالتحديد بعد وفاة السيد الخوئي (قدس سره)، وبدأ تقسيم الحوزة إلى ناطقة وصامتة وعاملة و... الخ.
مالك العظماوي, [٢٩/٠١/٢٠٢٢ ٠٢:٥٢ م]
- ومنها: تناحر الأحزاب السياسية من أجل الإستئثار بالمناصب والمال العام، وتقسيم المجتمع إلى وطنيين وتبعيين، ومصلحين وأعداء إصلاح، وتشرينيين وولائيين، وأبناء سفارات وذيول، وبعثيين وإسلاميين! وغيرها من التقسيمات المضرة بوحدة المجتمع، وكل ذلك من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب والمنافع الشخصية.
- ومنها: الركون إلى الطائفية من خلال الإرتماء بأحضان الدول(٤) التي لا تريد للعراق خيراً والتي تحاول جره نحو إقتتال طائفي ليتسنى لهم جره نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ولأجل ان يتخلى عن شعاراته الثورية وإخماد صرخة الحسين (هيهات منا الذلة) المدوية في نفوس الأحرار من العراقيين.
- ومنها: التكالب على المناصب الدنيوية والمكانة الإجتماعية وإرتداء لباس الزعامة من قبل أناس ليسوا بأهلها. مما أدى إلى إصطدام الشريحة التي تؤمن بثوابت المجتمع والمتكالبين على التسلط على رقاب الناس.
- ومنها: تعددت الزعامات والأحزاب والتكتلات، وتشظي العشائر والإنقسامات فيما بينها من أجل زعامة العشيرة أو زعامة الحزب بل وحتى زعامة الحوزة الدينية! ونجد كل جهة أو شخص أو حزب يرى الحق معه وهو الأحق في الزعامة.
- ومنها: غياب القانون، وعدم إحترام الدستور، وعدم الإلتزام بتعاليم الإسلام أدى إلى ظهور شرائح وطبقات تستغل الوهن الحاصل في الدولة، فتعمل جاهدة للحصول على المكاسب والمغانم والمنافع الشخصية لها ولقواعدها الشعبية حصراً. فهناك من يسن القوانين التي تعود بالمنفعة خصيصاً له ولأتباعه، ولم يفكر بأبناء البلد الآخرين.
المعالجة:
يمكننا إصلاح ما فسد من أمور المجتمع من خلال إتباع بعض الطرق التي من شأنها تساعد على إعادة الثقة بين طبقات وشرائح المجتمع:
أولا: العودة إلى الله تعالى، والتمسك بتعاليم الدين الحنيف، وأن نأتمر بأوامره وننزجر بما نهانا عنه.
ثانياً: تحسين الخطاب الديني وحث المجتمع على الوحدة من خلال الخطباء وإئمة المساجد، فهؤلاء يقع عليهم جزء كبير من مسؤولية الحفاظ على وحدة المجتمع، وحسابهم عسير عند الله تعالى، خصوصاً من يثير التخاصم بين الأفراد بإثارة الخلاف في التقليد ومراجع الدين وغيرها ممن تكون عملية إقناع الإنسان البسيط من خلالها سهلة ويسيرة، ويكفي أن تصدر من شخص سياسي أو ديني له تأثير واضح في المجتمع.
ثالثاً: الإهتمام بالتعليم وتحسين المستوى المعاشي للعوائل وخصوصاً ذوات الدخل المحدود. والإهتمام بحياة المواطن العامة ليستشعر الراحة النفسية والأمان، وحتى لا يكون ناقماً يتجه مع كل تيار معادٍ لأجل الثأر لنفسه ولكرامته.
هذا ما إستطعنا تحديده بهذه العجالة، نرجو به رضا الله تعالى، وخير عباده. والحمد لله أولا واخرا.
.........................................
(١) سورة الكافرون
(٢) ينظر كتاب (العشيرة بين الشريعة والقانون)، مالك العظماوي، ص٣٤
(٣) يقصد بالشيوخ الذين ظهروا بدعم من نظام البعث
(٤) هي دول الخليج وبمقدتهم السعودية.