د.مسعود ناجي إدريس ||
وردت المفاهيم التالية فى القرآن الكريم لتوضح المعانى المختلفة لكلمة الصلاة :
المفهوم الأول: أنها وسيلة هدفها الرئيسي هو ذكر الله. ويتضح ذلك من لحظة اللقاء الإلهي مع سيدنا موسى حينما كلمه الله فقال له { إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِي} سورة طه آية 14. وباطبع كانت صلاة موسى حينذاك باللغة العبرية وليس بالعربية ولم يكن بها قرآن أو حتى توراة فلم تكن التوراة قد أنزلت بعد على موسى في هذه اللحظة التاريخية.
المفهوم الثانى : هو أن الصلاة هي وسيلة من خلال تبتل إلى الخالق لتطهير النفس البشرية لتمنعها من فعل الشر كما ذكر الله تعالى فى قوله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ }. ولذا فإن الله قد أوحى لكل رسله وأنبيائه بالصلاة وبلغات مختلفة كما جاء في قوله عن إبراهيم وإسحق ويعقوب" وَجَعَلْنَٰهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِ ۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ" سورة الأنبياء آية 73. ولم يتطرق القرآن بوضوح إلى كلمات معينة أو حركات بعينها لإقامة تلك الصلوات. ومن الأقوال المأثورة عن الرسول عليه السلام والتي تتفق مع معنى الآية السابقة أنه قال "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له". أي أن الأمر ليس مجرد حركات وكلمات وطقوس بل أن الصلاة هي وجود صلة بين الإنسان وربه في كل وقت وكل حين تمنعه من فعل الشر ومن ظلم الآخرين.
المفهوم الثالث : تأتي الصلاة أيضاً بمعنى الدعاء للشخص ومباركته كما في الآيات:
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، وهنا أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بالصلاة على المؤمنين أي بالدعاء لهم ، ونرى نفس المعنى فى قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ } ( أي يبارك الله عملهم الصالح). بالإضافة إلى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا }.
المفهوم الرابع: قد تأتي الصلاة أيضاً بمعنى التسبيح كما في قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ }. و تبعاً لهذه الآية فإن تسبيح الله و ذكر أسمه و التأمل فى ملكوته هو أحد أنواع الصلاة.
المفهوم الخامس: هو أن الصلاة واحدة من العبادات لها مواقيت معينة تهدف إلى التقرب إلى الله كما في { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } و { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا - وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا }.
ومن الملاحظ في هذه الآيات وفي غيرها من آيات القرآن أن القرآن لم يتطرق إلى كيفية معينة لأداء الصلاة لأن وجود صلة مع الخالق قد تكون عملية مستمرة في كل لحظة من حياة الإنسان كما جاء في قوله تعالى "اٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ" سورة المعارج آية 23...
ــــــ
https://telegram.me/buratha