ا.د جهاد كاظم العكيلي ||
ربما هذا العنوان يثير إنتباه بعض المتابعين والمهتمين بالشأن العراقي، والذي بقي متأرجحا طيلة هذه السنوات، تشده تجاذبات مختلفة كحالة المد والجزر التي تحدث على سواحل البحار، ولم تترك وراءها غير الرمال التي سرعان ما تتطاير امام أي إعصار، ومن ثم تعود إلى حالتها الطبيعية، لتكسوها المياه من جديد، وكأن شيئا لم يحدث ..
هذا هو واقع حال الشارع العراقي، الذي تدخلت في شأنه دولا متمثلة بسفارتها المتعددة متخذة دورا مشبوها في تمثيلها الدبلوماسي في العراق تجاوزت خطوطها الحمراء في بلد أنهكته الحروب وسياسات الحكومات الفاشلة التي تعاقبت على إدارته لعقود من الزمن، إذ تمادت سفارات الدول وقنصلياتها بالتدخل في الوضع العراقي الداخلي والخارجي.
ولم يكن هذا ليحصل لولا تراخي الحكومات المركزية المتعاقبة على الحكم وعجزها برسم صورة واضحة او حتى صدور أي موقف من قبل ممثلي الحكومات للحد او الكشف عن أهداف وأدوار الدول للتدخل في الشأن العراقي، فضلا عن تبعية بعض المسؤولين لدول عديدة بحكم اكتسابهم هوياتها التي عاشوا فيها حقبة من الزمن، والتي بنت معهم ارتباطات مبنية على المنافع المتبادلة وفق سياسة التبعية الهادفة إلى إضعاف العراق، وجعله من الدول الفاشلة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ..
هذه الدوافع وغيرها الكثير أثرت على الشارع العراق منذ عام الإحتلال الأمريكي للعراق ٢٠٠٣ ودخلت معها اسماء مختلفة من ضمنها منظمات مدنية تخريبية لغرس ثقافة الإنحلال الإجتماعي والأخلاقي لا سيما بين صفوف الشباب، وذلك من خلال إشاعة ثقافة الفساد والفوضى عبر وسائل عدة تتولى دعمها وتمويلها سفارات دول عربية واجنبية وقنصلياتها وانفرادها بدعم أشخاص بعينهم كواجهات فكرية وإعلامية لكي تؤثر على الرأي العام العراقي لغرض اثارة القضايا التي تأجج الصراعات وإلهاء الشارع العراقي بأساليب وطرق ملتوية تهدف لتنفيذ مشروع تخريبي وهدم البنية الإجتماعية العراقية، وجعلها أسيرة لخيارات هذه الدول لتحقيق مصالحها السياسة والإقتصادية، وكذلك من خلال اختيار رموز تابعة لها وفاشلة بإدارة البلاد، غير أن الحقيقة بدأت تسطع بين الأجيال بعد تظاهرات واسعة قادها أبناء الشعب العراقي، وكان من بين اهم اهدافها رفض هذا التدخل السافر، وكل ما يلتف من حوله من غايات ونيات غير سليمة تتعارض مع المشروع الوطني العراق..
في هذا السياق سرعان ما ظهرت إنعكاسات هذا التدخل في الإنتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الأول الماضي، وشكَّل هذا التدخل السافر نقطة البداية في التأثير المباشر على تشكيل الحكومة التي لازالت محط اختلاف وجهات النظر بين الكتل المتشكلة منذ نحو ستة اشهر، ولكن بالمقابل ظهرت أصوات جديدة تسير على الطريق الصحيح لبناء الدولة العراقية كما ينشدها الشعب، لكن اواقع الحالي يؤشر لنا أن المشروع الوطني لن يتحقق إذا ما بقي الوضع كما هو عليه الآن ..
وهذا يعني أن الشارع العراقي سيظل مشغولا أو متأثرا بما تنشره هذه السفارات والقنصليات من رؤى مضادة لمسيرة العراقيين التي تستهدف التغيير المنشود لبناء دولة مدنية، وهذا يتطلب من المعنيين في الشأن السياسي إن توفرت الجدية لصناعة إدارة صحيحة ومستقلة للبلاد من قبل الفئات الواعية في المجتمع لتأخذ دورها في التصدي لأي مخطط يستهدف زعزعة ثقة المواطن بشعبه، ذلك أن الخلاص يكمن في رفض التبعية بكل انواعها، والإعتماد على قدرات وطاقات الفرد العراقي كفيلة بتحقيق هذا الخلاص خصوصا إذا ما تم تجنب تهميش دور المجتمع، وبخلاف هذا النهج سيبقى العراق يعيش حالة من دوامة ستطول كثيرا ويبقى الحال كحال الذي : يأتيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب ..