ا.د جهاد كاظم العكيلي ||
ربما عنوان المقال هذا يُثير حالة من الإحباط الشديد لدى البعض، وقد يدفع بالبعض الآخر إلى عدم الرضى به كعنوان ومضمون، وكلا الإحباط وعدم الرضى صحيحين تماما، ذلك أنهما نتاج طبيعي لحالة شاذة تسبب بهما الإحتلال الأمريكي ــ البريطاني للعراق اللذين ظلا جاثمين على صدور العراقيين حتى يومنا هذا، وهما يُخططان للأسوء الذي لم يحدث بعد ..
إن هذا المخطط الشاذ المُعد امريكيا وبريطانيا سلفا مع سبق الإصرار والترصد بدأ يأخذ فعله على الأرض العراقية منذ آخر الإحتلالات في العام 2003 وحتى الآن، وكان الهدف طبعا إيصال العراق كوطن إلى حالة من اليأس التام، وتحويله إلى مُجرد بقعة على خارطة، يصعب معها إعادة تشكيل وطن حقيقي يكفل للشعب العراقي العيش بأمن وسلام حقيقين..
وعندما نقول هذا إنما تتوفر لدينا الكثير من الحقائق والمؤشرات التي تفضح الدور الأمريكي ــ البريطاني بالإستناد إلى مقومات حقيقية تثبت صحة ما نقول، وهي حقائق لا يمكن لأحد إنكارها، حتى إنها اصبحت بالنسبة للمواطن العراقي مثار للتندر والسخرية في داخل العراق وخارجه، بل ومثار وسخرية وتندر لمواطني دول أخرى، يقابله مواقف لدول معادية لا تريد بالعراق خيرا على الإطلاق، والكثير منها أعلنت ذلك وبوقاحة من دون أن تضع أي إعتبارات سياسية او جغرافية وأمنية للعراق ..
فعلى سبيل المثال لا زالت الجارة الشمالية تركيا تخرق حدود العراق أرضا وجوا منذ العام 2003 وحتى الآن، وطيرانها الحربي وجيوشها مطمأنة تماما وكأنها تقوم بنزهة سياحية في إحدى ولاياتها التركية التي تمتص سنويا من الأموال العراقية ما يقرب من إحدى عشر مليار دولار مُقابل توريد البان وأجبان، وهي أيضا حجبت المياه عن العراقيين المنسابة عن طريق نهر دجلة وروافده، وتولت مؤخرا تخفيضها بنسبة عشرة بالمئة علنا ضاربة بذلك الإتفاقات السابقة والقانون الدولي بعرض الحائط، والمُحزن أن الإخوة الأكراد شرعوا ببناء سدود للمياه تماما كما فعلت تركيا، ما ينذر بخطر شديد لتضييق الخناق على العراقيين خصوصا وإن هناك مؤشرات ومصادر معنية بشؤون المياه تشير إلى أن العراق في عام ٢٠٣٥ سيكون بلدا بلا مياه تماما ..
إن العراق الذي يشهد ايضا خروقات امنية فاضحة سواء من قبل تركيا او من قبل دول أخرى وضرب القوات العراقية وقواعدها الماسكة للأرض، إنما يدل على تمادي هذه الدول وذيولها في عدم إحترامها للجيرة والحُسن المتبادل بين الدول، وصارت لغة العدوان والسلاح هي السائدة فوق القانون ..
إن كل تلك العدوانات وعدوانات أخرى لا حصر لها يجري تنفيذها على الأرض العراقية وسط صمت سياسي وحكومي عراقي، فيما تنشغل الأحزاب المتحاصصة بكيفية الطريق الذي يوصلها لبلوغ كرسي السلطة والعرش الخاوي، ما تسبب هذا الوضع السياسي والحكومي الشاذ والعدوانات المستمرة بكراهية المواطن العراقي ليس للسلطة وحسب بل بفقد حُبه للوطن وإنتمائه له، وصار يشعر بسب ذلك إنه خارج خارطة الوطن في نيل حقوقه ومصالحه المشروعة، وفي الوقت نفسه ظل المواطن يعيش بصعوبة بالغة الدقة والتعقيد وهو يذرف الحسرات والألم إزاء حالة التردي الفاضح لواقع الخدمات الإجتماعية والصحية والإقتصادية السيئ ..
وفي هذا السياق الشاذ بدأت قدرات الوطن الفكرية وثرواته البشرية تتلاشى شيئا فشيئا بفضل زحف الأمية، وتهميش الكفاءات الحقيقة، وعزل المُخلصين من إداء دورهم الحقيقي لبناء الوطن وإنقاذه من الوضع السياسي السائد ، الذي يسكن الوطن بمثابة الإخوة ــ الأعداء الذين يتباطحون بإسمه تارة، وتارة أخرى عندما يتوقفون عن تباطحهم حينما يتعلق الأمر بالحصول على المنافع فيجلسون على طاولة ليتقاسمون الغنائم ..
وكثيره هي الحالات الشاذة الحافلة بالسجل المُخجل والمحزن على الخارطة العراقية التي لا ولن تجعله بأن يكون وطنا حقيقيا للعراقيين بمختلف شرائحهم وإنتمائاتهم الوطنية، حتى يبقى السؤال مطروحا يشغل أذهان الشعب، وهو متى يتم تحديد الطريق الصحيح والصائب ليكون العراق وطنا حقيقيا وليس مجرد مُرتسم خارطة حدود على الأرض؟