كتب رئيس الوزراء المستقيل السيد عادل عبد المهدي مقالة عام 2000 تحدث فيها عن استراتيجية المواجهة وما يهمنا في المقالة انها كتبت عام 2000 ولكن النقاط التي ذكرها السيد عبد المهدي نجدها حاضرة الان وكانه قد تنبأ بالاحداث التي ستحصل خلال السنوات القادمة وهذه من الصفات المهمة للقائد الناجح الذي يبني تصوراته على المدى الطويل
وهذه المقالة التي ننشرها الان بمثابة رسالة موجهة الى كل الذين وقفوا بالضد من السيد عادل عبد المهدي خلال فترة حكومته ونقول لهم اقراوا ما كتبه حتى تعرفوا من هو السيد عادل عبد المهدي
اوائل تشرين الثاني (نوفمبر) 2000
ان رفع عوامل الكبح والتعطيل عن المجاهدة و المقاومة هو رسم الخطوات الاساسية لاستراتيجية المواجهة. واننا نعتقد ان عامل الفعل والمبادرة الرئيس يقع بيد الشعوب وقيادات مسؤولة من العمل الاسلامي والوطني. وان فعل الحجز و التعطيل الرئيسي هو منطق الدولة المجزأة المفصولة عن شعوبها والتي قام عليها ما سمي بالنظام الاقليمي الذي اعتبرت اسرائيل جزءا منه بل انها سبب وهدف قيامه والذي هو ركيزة للنظام العالمي الذي تقوده اليوم الولايات المتحدة الامريكية.
بناء على ما تقدم وبدون مقدمات كثيرة سنوضح ذلك بالنظر للامر من زوايا متعددة وباخذ التجربة اللبنانية والكفاح الفلسطيني والعربي والاسلامي بنظر الاعتبار.
فمن يرى المعركة في فلسطين هي معركة تحرير سيختلف عن اولئك الذين يرون ان المعركة هي المطالبة عبر ما يسمى بعملية التسوية لقيام دولة، لا يغير من ذلك التقاء الاهداف في مقاطع معينة.. النظرتان ستختلفان بالمقابل في مقاطع مهمة، خصوصا في استراتيجية العمل وتحديد القوى التي يركن اليها والاصدقاء والاعداء.
اذن، ما دامت المعركة في فلسطين هي معركة تحرير لتأتي الدولة تتويجاً لها، وليس تأسيس دولة تقنن وتشرع للاحتلال وتقف حاجزاً امام التحرير، نقول ما دامت المعركة هكذا، فاننا يجب ان نقر باننا لا نمتلك ولم نمتلك بعد، مركز قرار فاعل او واضح (او على الاقل محصلة مركز قرار) يمكن الركون اليه لتنظيم المعركة واستراتيجيتها.. وهذا يختلف عما جرى في تجربة جنوب لبنان، اذ رغم وجود الدولة اللبنانية، فان ذلك لم يمنع من ان يقوم من خارجها ولاحقاً بالتعايش معها، مركز قرار سوقي وتعبوي موحد وواضح الرؤى والاتجاهات بالتعابير الحربية، مثلها حزب الله من جهة والتنسيق والدعم الايراني والسوري واللبناني بالاساس من جهة اخرى. اذ استطاع هذا المركز ان يمسك بقضيته بقوة وعناد واستطاع ان يتجاوز كل الضغوطات والعقبات ويوفر كل المتطلبات والشروط ليستطيع ان يستثمر عدالة القضية بما تعكسه من تعاطف جماهيري وبالتالي رسمي لبناني وعربي واسلامي وعالمي، ليخوض حربا طويلة النفس استمرت حوالي العقدين (اي اطول من تجربة الحرب الجزائرية والفيتنامية على حد سواء). فاستطاع ان يحول احتلال العدو للارض والنفوس الى هزيمة نكراء منيت بها القوات الاسرائيلية ودفعتها للانسحاب رغم كل التفوق العسكري الذي تمتلكه ورغم الدعم الذي تحظى به، ورغم الضغط الذي شكلته ما سمي بعملية التسوية والتطبيع والتي لا تمثل في المحصلة سوى صيغ مبتكرة لتقنين الاحتلال والقبول به. وهي عملية اريد بها ايقاف تحول ميزان القوى الذي كان يسير واضحاً لمصلحة منطق المقاومة والتحرير.
فكانت المقاومة الفلسطينية بتاريخها المجيد،
ثم جاءت حرب اكتوبر بانتصاراتها التي لم تقلل من شأنها اختراقات الهجومات المضادة،
ولم تستطع اسرائيل ان تساوم لبنان على احتلالها له عام 1982، فانهارت اتفاقية ايار بسبب العمليات الاستشهادية البطولية والتي ارغمت الجيش الاسرائيلي على الانسحاب ليكتفي باحتلال اجزاء من الجنوب، والذي انهار بدوره تحت وقع الضربات التي قام بها حزب الله والمقاومة اللبنانية، كما ذكرنا،
هذه التطورات كلها تكشف بوضوح ان توازن القوى قد بدأ بالتحول موضوعياً لمصلحة قوى التحرير. وان اغراء قيادة المنظمة بادارة فلسطينية لا سلطة ولا مبادرة ولا سيادة لها وتعطيل ارادة الحكومات العربية والاسلامية عبر عملية التسوية والتطبيع هدف ويهدف كله الى تعطيل العامل الارادي والذاتي للمجاهدة والمقاومة والتحرير، وهو ما ظهر بوضوح عندما ربط قيام السلطة وعودة عرفات الى الضفة بايقاف الانتفاضة الفلسطينية الاولى واتهام المتمردين على القرار بالارهاب والتطرف والتخريب.
اذن اجرت عملية التسوية وانخراط القيادة الفلسطينية بها خلافاً بين التجربتين اللبنانية والفلسطينية.
في الاولى استطاعت قوى المقاومة والتحرير ان تمسك بزمام المبادرة والقيادة مما سمح لها بالاندفاع في العملية الى اهدافها.
اما في الثانية فان قوى المقاومة والتحرير قد طبعت وطوعت الى درحة باتت تقف فيه بوجه عملية التحرير. فعطلت قوى المجاهدة خصوصا الاكثر رقياً، ونقصد بذلك “الجهاد” و”حماس” من اخذ زمام المبادرة وقيادة المعركة نحو اهدافها، وكان يجب انتظار انتفاضة الاقصى ليصحح الشعب من المعادلة بثورة الحجارة والتي ستعتمد التطورات اللاحقة على الاساليب التي سترسيها الانتفاضة سواء في اسقاط الحواجز التي وضعت في طريق المقاومة او في تطوير الاسلوب المناسب الذي سيعتمده العمل الجهادي لتحرير الارض والنفوس. باختصار، تعلمت التجربة اللبنانية من التجربة الفلسطينية في تطوير الكفاح المسلح وفي فهم العدو ونقاط الضعف التي يعاني منها. بالمقابل، تميزت المعركة اللبنانية وطورت في دور الاعداد الفردي والعقيدي وفي اسلوب التنظيم ووطبيعة القتال وخططه، وفي الخطاب وانماط التحالفات وضبط الخصومات والعداوات. تماماً كما ساعدت الانتصارات على الساحة اللبنانية في تهيئة اجواء الانتفاضة الثانية وفتحت جبهات اضافية بعثرت من قوى العدو وسمحت لقوى المقاومة من ان تطور من فاعلياتها ومبادراتها.
على كل حال، لم تكن معركة لبنان معركة جنوب لبنان فحسب، بل كانت بالاساس معركة الامة ومعركة في طريق تحرير فلسطين. فحجم المعركة لا تقرره جغرافية فلسطين بل قررته وتقرره شمولية العدوان الاسرائيلي والمعسكر الذي يقف خلفه. معركة فلسطين لم تكن منذ البداية معركة بلد واحد بل هي معركة امة ووطن تشمل العالمين العربي والاسلامي على الاقل من جهة وتشمل اضافة للدولة اليهودية المعسكر الغربي بكل تلاوينه من جهة اخرى. معركة لها ابعاد تاريخية ودينية ووطنية واستعمارية معقدة وعميقة الجذور، مما يجعل مسألة ادارة المعركة نقطة مركزية بدون انجاز متطلباتها لا يمكن صياغة خطط واستراتيجيات وتصورات صحيحة وفاعلة. فاستراتيجية الخصم، محلياً وعالمياً، كانت استراتيجية موحدة شاملة، في حين تمت محاصرتنا عبر تجزأة جغرافياتنا ومصالحنا مما وضع اكبر الحواجز امام تطور عملية المقاومة والتحرير.
ودون ان نقلل من شأن التضحيات التي بذلت لكن التقويم المنصف لتطور المواقف سيشير بان افضل وضع تتمناه الدولة العبرية ومن يقف خلفها كان هو ان تتولى الدول العربية، او منطق الدولة المجزأة المحاصرة الضعيفة زمام القرار والادارة للوصول الى حل نهائي لمسألة فلسطين.. لقد جربت الحكومات العربية بسبب الضغوط الشعبية او بسبب غيرة بعض المسؤولين طريق الحرب ففشلت فيها.. فاوضاعها المأساوية لم تكن تسمح لها بسلوك هذا الطريق فكانت هزيمة حزيران عام 1967. تلك الهزيمة التي سمحت للشعب الفلسطيني مدعوما من الشعوب العربية والاسلامية في ان يتولى قيادة المعركة. فشهدنا طوال حوالي العقدين قيادة اكثر ثورية وفاعلية ونقصد بها قيادة السيد ياسر عرفات.دون ان يلغي هذا التطور لا منافسة قيادات فلسطينية اخرى لقيادة السيد ياسر عرفات ولا انتهاء دور الدول العربية من الادارة والقرار. كان يجب تطويق هذه القيادة ومحاصرتها من داخلها ومن خارجها..من داخلها بتصفية كل الخطوط الاكثر تجذرا او وزناً كابي الوزير او ابي اياد ليتم استدراج هذه القيادة في مرحلة لاحقة وبالتنسيق مع بعض الدول، خصوصا العربية، التي اصابها اليأس واغلقت كل الخيارات الا خيار الاعتراف بشرعية الاحتلال والقبول بالهيمنة الاجنبية، كما يوضح ذلك تعبير راعي السلام ، ويقصد به الولايات المتحدة الامريكية..
فعملية التطبيع والسلام.والمفاوضات لم تكن منذ زيارة السادات الى القدس الى اتفاقات اسلو وما تلاها الا محاولة لاستثمار الخصم للضعف في عاملنا الذاتي، خصوصا بتحريك ضعف ومنطق الدولة كما بنيت عليه في منطقتنا، لايقاف انقلاب ميزان القوى لصالح عملية التحرير والتي برهنت انها ممكنة من الناحية الموضوعية كما دللت ذلك حرب اكتوبر عام 1973 او معركة لبنان والنجاح في طرد الجيش الاسرائيلي من لبنان اولا ثم من جنوبه ثانياً.
تستبطن اوضاعنا، اذن، من الناحية التاريخية والحاضرة والمستقبلية منطقين دون الفرز بينهما لن نعرف ما هي الخطوط الفاصلة لا للتعامل مع داخلنا ولا في التعامل مع عدونا. فنحن امام سياقين ومنطقين: المنطق الاول يقول ان معركة فلسطين هي معركة الشعب والوطن والدين.. اما المنطق الثاني فانه قد حول معركة فلسطين الى معركة للدولة او انها معركة دول. وهذا تمييز غاية في الاهمية في نظرنا. دونه لن نستطيع ان نقوم علاقتنا بدولنا لا تأييداً ولا رفضاً، وستختلط علينا مهام الدولة، سواء باصطفافها عملياً مع الشعب والتحرير او باصطفافها عملياً مع العدو في حجز عملية التحرير.
فالمعركة منظوراً اليها من زاوية الاوطان والشعوب والمعتقد هي غير المعركة منظوراً اليها من زاوية الدول، خصوصاً في المنطقة العربية. فالنظام الاقليمي الذي رعته في مطلع القرن كل من بريطانيا وفرنسا ومن ثم الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب الثانية قام على نظام التجزأة الذي مركبه الرئيسي تكوينات الدول وحدودها ومصالحها وارتباطاتها المحلية والدولية. ودون اية رغبة في التبسيط والحكم المتسرع، فان الوقائع قد برهنت طوال القرن الماضي، بان النظام الاقليمي بناءاً على قواعده العامة وليس الاستثنائية، وعند التمييز بين مفهومي الدولة والحكومة، فان اسرائيل ستبدو في وسطه كضرورة للمنظومة، بل هو في نظر مؤسسي النظام الاقليمي الطرف الرئيسي في هذه المنظومة ليبدو التناقض بين الدول والمنظومة من جهة وشعوب المنطقة العربية والاسلامية ومصلحة الاوطان من جهة اخرى تناقض حاد لا يقبل المشاركة والتقاسم، ليطرح سياق التطبيع والمشاركة مع اسرائيل كاستراتيجية وحيدة يصرحون بمناسبة او بدون مناسبة بانهم لا يمتلكون من خيارات غيرها.. فالدول المجزأة المفصولة عن شعوبها في المنطقة هي جزء من المنظومة الاقليمية التي تجد مقومات شرعيتها ومصالحها وتمثيلياتها ليس من مصالح الشعوب والاوطان اساساً، بل من حفاظها وفق تعبير مغلف وغامض على ما يسمى بامن ومنطق الدولة ومصالحها الذي سيخدم في النهاية ما يسمى بالتوازن الاقليمي الذي هو في المحصلة المصالح الدولية اولا وقبل كل شيء.. فدول التجزأة المفصولة عن شعوبها، استولت منذ بداية تأسيسها والى اليوم قيمومة على الاجتماع والمجتمع، بل امتلكت في نهاية التحليل قيمومة على الحاكم والحكومات. فاما ان يخضع الحاكم لمنطق الدولة او ان تخضعه الدولة لمنطقها..
ويمكننا ان ندلل على صحة هذه الرؤية عبر عدة اشارات، والتي ان تم التأمل فيها جيداً ستشكل بدورها ملامح الاستراتيجية الوطنية والتحريرية، والتي تستحق كل منها وقفة طويلة لولا قصر الوقت.
الف- منعت قوة الاجتماع اللبناني بسبب الحريات النسبية التي يتمتع بها وبسبب توازنات داخلية وعوامل خارجية معروفة من قيام دولة اقوى من اجتماعها. وهذا وضع يسهل استثماره سلباً كما يسهل استثماره ايجاباً.. اذ يكفي لحركة المقاومة والجهاد، ان هي ادركت، فطرة او وعياً، عوامل الضعف والتأزم الموجودة لدى العدو والمعسكر الذي يقف معه وخلفه من ان تستثمر ضعف الدولة وثغراتها او اخلاص الحاكم واستعداده لتحييد عنف وعدوانية الدولة لتؤسس لنفسها منطقاً يفلت من انظمة التقييد والكبح لينطلق في عملية التحرير. وهو ما يفسر كيف استطاعت المقاومة الفلسطينية المسلحة ان تستقر في لبنان بعد ان عجزت عن الاستقرار في الاردن (الذي نصفه من الفلسطينيين)، او في بقية الدول العربية.. فلم تستطع لا الدولة اللبنانية ولا حتى الدولة السورية في حينها من اخراجها من المعركة او السيطرة عليها، وهو ما تطلب ان تتدخل اسرائيل عام 1982 لاخراجها منه او لانهاء استقلاليتها وحريتها في المبادرة والمقاومة.. مما فتح الباب –في ظل انتصار الثورة الاسلامية في ايران- والنهضة الاسلامية التي شملت لبنان ايضاً من ان تنظم المقاومة الاسلامية نفسها على موضوعة انهاء الاحتلال الاسرائيلي للبنان والذي خدم ويخدم وسيخدم انهاء الاحتلال الاسرائيلي . ويجب ان نذكر ثبات موقف الاعداء سواء قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان او خلاله او الان في مطالبتهم بعودة الدولة وسلطتها وذراعها الجيش، كبديل لسلطة المقاومة والشعب. ولعل ما جرى في لبنان منذ عام 1967 قد يكون الصورة الانقى لما يمكن للمقاومين والمجاهدين -فلسطينيين او لبنانيين او غيرهم- ان يفعلوه لكنه عمل لم يكن خاصاً بلبنان كما يقول بذلك البعض، بل هي حقيقة لها مقومات وعناصر في كل وضع وبلد. وعلى المقاومين والمجاهدين ايجاد الثغرات لاختراق منطق الدولة لاعادة مركز الادارة والقرار الى المقاومين والمجاهدين شعوبا كانت ام حكومات. ويمكننا ان نقدم امثلة عديدة لاختراقات كثيرة، لكننا سنقف عند اثنين منها:
– – لعل اعظم اختراق شهدته امتنا في هذا العصر والذي قدم نموذجاً فذاً في استنباط الوسائل الملائمة لتصحيح معادلة مركز ادارة الصراع وقيادته ما قامت به الانتفاضة الفلسطينية، او ثورة الحجارة.. فهي ان كانت ستقدم الدليل بان امتنا لن تعجزها الوسيلة لتحرير اراضيها فانها تقدم البرهان ايضاً بان منطق الدولة –كما بني عليه في منطقتنا- هو الكابح الرئيسي لمنطق التحرير.. فالانتفاضة الاولى لم يكبحها سوى منطق السلطة واقامة الدولة الشريكة لاسرائيل وليس المستقلة عنها. اما الانتفاضة الثانية فانها استغلت اول لحظة تأزم مع العدو لتسعى الى تصحيح علاقة السلطة بشعبها وللسير مشتركاً نحو تجذير وتطوير عملية التحرير.
– ادركت شعوبنا بتجربتها وحسها نقاط الضعف لدى العدو ونقاط القوة لدينا. فسعت لتحييد قوى العدو المادية ووسائله التقنية وحاولت التخلص من عوامل الضعف في صفوفها، وهو ما ابرز تجربة غاية في الاهمية ونقصد بذلك العمليات الاستشهادية.. في لبنان ساهمت هذه العمليات في تحرير الارض على يد المقاومة الاسلامية. وفي فلسطين ساهمت وستساهم هذه العمليات في تحرير الارض على يد القوى المقاومة وخصوصا قوى الجهاد وحماس.. ولكي لا نؤرخ خطأ يجب ان نتذكر بان الفداء كان اسلوبا ثابتاً في العمل ضد العدو الاسرائيلي قبل تأسيس الدولة العبرية وبعد تأسيسها وانه كان الشكل الرئيسي الذي ابقى جذوة الكفاح متقدة والذي سمح لعملية التحرير ان تنتقل من مرحلة الى مرحلة ارقى واكثر تقدماً من حيث التنظيم والاسلوب والقيادة. عندما نظمت هذه العمليات ضد العدو وبقيت في حدودها الفاعلة ولم تنتقل الى اعمال غير مسؤولة ونحو اهداف لا تمس كيان العدو، فانها اعطت نتائج باهرة ارعبت العدو وغيرت الكثير من موازين القوى.
باء- اشرنا تلميحاً اعلاه اهمية التمييز بين مفهومي الحكومة والدولة.. فالدولة في منطقتنا وبعد تجزأة الكيانات الاسلامية الكبيرة كالدولة العثمانية والدولة الصفوية، هي مؤسسات او مصالح وكيانات مرتبطة بمنطق لا يرى مصلحة الاوطان الا بالتناغم مع مصلحة الخارج الاجنبي. فهي في عمومها دول منفصلة عن ارادات اجتماعها وشعوبها.اما الحكام والحكومات فهم افراد يأتون اما لتلبية شروط عمل هذه الكيانات (الدولة المجزأة المفصولة عن اجتماعها) او تدفعهم ظروف خاصة لاستيعاب حقيقة الدولة فيأتون وهم على وعي جزئي او كلي لاهمية استيعاب منطق الدولة بالسيطرة على مصادر الفعل السلبي فيه من جهة واستثمار مصادر قوته لايجاد حركية اعلى مضمونا وفاعلية من منطق الدولة المجزأة المفصولة عن اجتماعها ومحيطها. لا للخضوع لمنطقها ومتطلباتها. ولن ابالغ ان قلت بانه لو كان بيننا اليوم الامام الخميني او الرئيس الاسد او الرئيس عبد الناصر رحمهم الله، او كان بيننا اليوم قادة يحتلون مواقع في قرار السلطة لتكلموا لنا عن مدى العقبات والضغوط التي تمارس ضدهم ليس فقط من الخارج والدول الاجنبية بل قبل كل شيء من داخلهم ومن اجهزة الدولة وشبكتها المعقدة.
جيم- ان شعار الدولة الفلسطينية بالشكل المعروض عليه رسمياً لا يمثل انهاء الاحتلال، بل تكريسه.. فهذه ليست دولة تحرير (اي تنتزع بعض الارض لتواصل تحرير البقية) او دولة تفرضها عملية التحرير في اطار موازين قوى معركة التحرير، بل هي دولة يراها ويريدها العدو عنصرا من امنه، لا تغير من ذلك النوايا الطيبة او الوطنية لعناصرها. لذلك ليس دون دلالة ان يتكلم الطرف الاسرائيلي والفلسطيني كلاهما عن الشريك في الطرف المقابل عندما تجري عملية التسوية على ما يرام ويتكلمان عن عدم وجود شريك عندما تتعثر العملية.. فاعطاء صفة الشريك للمحتل هو اعتراف بشرعية المحتل وازالة طابع العدوان عن عمله السابق واللاحق.. بل اكثر من ذلك هو قبول بلعب دور لمصلحته بما في ذلك تعطيل عملية التحرير والوقوف بوجه المقاومين والمجاهدين. فالمحتل عدو وليس شريك وهذا بمفرده يعكس الخلفية التي تقاد بها المعركة، كما ان كل الدلالات يجب ان تستنتج من ممارسة يراها من يدير العملية ممارسة مشروعة وهي ارتباط تقدم المفاوضات من اجل الدولة بوضع المجاهدين في السجون ليخرجوا منها ويجدوا بعض التشجيع من اوساط السلطة عندما تتعثر المفاوضات كما تشير الى ذلك احداث كثيرة اهمها ما جرى خلال انتفاضة الاقصى الاخيرة.
فالاعداء يجدون في مشروع الدولة الفلسطينية –كما في مجمل نظام التجزأة العربية والاسلامية الذي اقام دولا مستلبة-، نقول يجدون في هذه التركيبة محاوراً وشريكاً، لانهم يجدون في الدولة سلطة تضبط لهم حركة الشعب والمقاومة.
اما الشعب والمقاومة فان منطقهما يقف بالتعريف الاول بالضد من مصالح العدو والاحتلال، فلا مجال لاية شراكة بينهما، بل هناك عداوة مطلقة، لان التاريخ والمنطق لم يقدم اية صيغة لتنظيم العلاقة بين الشعوب وحركات الاستيطان والاحتلال والعدوان غير علاقات العداء والاقتتال. وعليه فالاصل هو الدفاع والمقاومة والقتال، فان حصل حوار، فهو حوار المتحاربين وليس الشركاء ليس الا. لذلك عندما اندلعت الانتفاضة ولم تستطع السلطة ايقاف القتال تكلم بارك عن عدم وجود شريك له في الطرف الاخر.. وعندما استخدم باراك الدبابات والطائرات وقصف المقرات الرسمية الفلسطينية، تكلمت السلطة في عدم وجود شريك لها في الطرف الاخر، مما يكشف بمجمله الدور الذي لعبته الدولة في مجمل تاريخ الصراع مع العدو الاسرائيلي.
واذا كنا نشدد على اهمية التمييز خصوصا في منطقتنا بين النظام الاقليمي والدولة او الدول من جهة والاوطان والشعوب من جهة اخرى ليكون الحاكم او الحكومات نقطة تأرجح، ان كانت تميل منطقيا مع الطرف الاول عموماً لكنها لا تعدم من امكانات جادة ومهمة للميل مع الوطن والشعب من جهة اخرى، فاننا نشدد ايضاً على اهمية رؤية التمايزات ايضاً في كل جبهة منعاً من الخلط والتعميم.. اذ لا يمكن الكلام عن الدول والنظام الاقليمي بنفس الدرجة في الكلام عن اسرائيل مثلا، كما لا يمكن الكلام عن مقاومة الحكومات بنفس الدرجة في الكلام عن القوى المقاومة والمجاهدة. كل ذلك امر مهم، علينا جميعاً رؤيته. لان تنظيم استراتيجية المعركة سيبقى امراً متعذراً ليمنع عملية المقاومة والجهاد من تنظيم صفوفها وتوفير افضل الظروف لنجاحها. بخلاف ذلك سنمزق قسراً قوى الثورة ولا نستثمر كل الطاقات الموجودة سواء في حركيات كل بلد او حركيات المنطقة عموما او في الاطار العالمي والدولي.. عندما لا تنظم هذه القضية وفق ميزان دقيق سيجد المقاومون والمجاهدون انفسهم قد دخلوا في فتنة واقتتال تعطل جزئياً او كلياً عملية التحرير.
استراتيجية المواجهة هي استراتيجية ان تستعيد الشعوب والاوطان ارادة المقاومة لتحرير الارض والنفوس.. انها استراتيجية انتزاع ادارة الصراع والقيادة من يد الدول ليتحول الى ايدي المقاومين والمجاهدين.. انها استراتيجية تعطيل كل ما يمكن تعطيله من عقبات وعوائق سواء في صفوف الشعب او بين الشعب وحكوماته ودوله لتنفتح كل ابواب المقاومة والجهاد بكل اشكالها ان كانت بالانفس او بالاموال. اذا كان هذا هو الواقع، فان اولى مهام الاستراتيجية الصحيحة هي اعادة تنظيم مركز ادارة الصراع لينهي هيمنة السلطة او الدولة عليه وليصبح في جانبه القتالي على الاقل بيد المقاومين والمجاهدين، وان التجربة اللبنانية وتجربة الانتفاضة الفلسطينية الاولى والثانية هي معلم جيد في هذا الطريق.. اذا ما انجزت هذه المهمة -وهي قد قطعت شوطاً لا يستهان به من الانجاز خصوصاً اذا ما استثمر الانتصار الباهر في جنوب لبنان واندلاع الانتفاضة المباركة وتحرك الشعوب العربية والاسلامية الاخير- فان الامور الاخرى من تنظيمية او خطابية اي مجمل المهام السوقية والتعبوية، بما في ذلك مصالح الناس اليومية، ستجد حلولها المناسبة والطبيعية.
اننا من القائلين ان ميزان القوى بيننا وبين العدو الاسرائيلي قد بلغ ذروته بانتصارات اسرائيل عام 1967.. وان الانتقال من مقاومة الدول والحكومات الى المقاومة شبه الرسمية شبه الشعبية التي مثلتها منظمة التحرير الفلسطينية الى المقاومة الشعبية التي مثلها حزب الله والجهاد الاسلامي وحماس وبقية الفصائل والقوى المجاهدة التي باتت مدعومة من دول وحكومات قوية وبارزة، هو دليل ذو وجهين:
الاول، ان العدو يفقد المبادرة لمصلحتنا وان نفوس المحتلين قد اصابها بعض الارتباك وان عقيدة النصر تتعزز في نفوسنا.. اذا ما تعززت هذه الاتجاهات فان هذا السياق سيتعمق اكثر فاكثر ليزداد اصطفاق القوى شعبية او رسمية مع خيار التحرير وليسجل التاريخ بان عملية التسوية والتطبيع لم تكن سوى مرحلة تراجع اراد بها المحتل ان يجدد من قواه وان يغري بعض قوانا وان يستغل نقاط الضعف في صفوفنا خصوصا منطق الدولة واثارة مصالحها، للوقوف في وجه عملية التحرير، حاجزاً بذلك الارادات الشعبية والجهادية من القيام بما يمليه عليها التكليف والواجب.. ومحولا المعركة من معركة امة ووطن مع عدو محتل الى معارك داخلية وسلطات يراد لها ان تكون اشرطة لضمان امن اسرائيل، تماماً كما عكست ذلك تجربة الشريط الحدودي في جنوب لبنان بعد ان عجزت الدولة اللبنانية من لعب هذا الدور.
ثانياً، ان الطريق ما زال شاقاً وصعباً، وان المعارك هي امواج صاعدة وهابطة، تنتقل من الهجوم الى الدفاع ومن الدفاع الى الهجوم. فقد تنجح الولايات المتحدة واسرائيل من الضغط على السلطة الفلسطينية وعلى الدول العربية لاستعادة المبادرة في عملية التسوية والتطبيع لتنهي بذلك الانتفاضة ولتوقف كل التطورات الايجابية التي حصلت منذ انتصار حزب الله في جنوب لبنان ومنذ اندلاع انتفاضة الاقصى وما رافقها من تحركات رسمية وشعبية عربياً واسلامياً.
وان المطلوب من القوى المقاومة والمجاهدة الرسمية والشعبية على حد سواء ان تدرك بان عليها ان لا تخسر كثيراً من الوقت بل عليها ان تسارع لتعزز من مبادراتها وفعالياتها لتمتلك ناصية اعلى في المعركة القادمة. يجب استثمار الظروف الايجابية التي بدأت ملامحها واضحة من خلال:
– الانتصار في جنوب لبنان واندلاع الانتفاضة وانتصار منطق المقاومة وعودة فصائل كبيرة من داخل فتح وغيرها الى منطق المقاومة بما في ذلك المسلحة،
– انهيار او على الاقل نكسة طريق التسوية. اذ يجب ان نتذكر اننا كنا نعيش قبل اشهر عديدة ضغط كامب ديفيد جديدة وان القوى المعادية والمتآمرة كانت تحاصر قوى التحرير بمنطق التسوية ومكاسبه ووعوده الوهمية،
– انعقاد مؤتمري القمة العربي والاسلامي اللذين، رغم كل الثغرات، لكنهما كانا اقرب الى مواقف الشعوب والاوطان منه لموقف العدو والخصوم. ورغم ان الكثير من التردد ما زال يسم خطوات المسؤولين لكننا نعتقد بان خطوات مهمة قد انجزت منها ايقاف علاقات بعض الدول باسرائيل وتأسيس صناديق دعم الانتفاضة والبنى والمصالح الفلسطينية، الخ، والوعد بقطع العلاقات مع اية دولة تنقل سفارتها للقدس في موقف واضح سيغضب الولايات المتحدة من دول اعتبرت دائما كدول تسير في الفلك الامريكي،
– انتقال الفعل الضاغط والمقاوم للشارعين العربي والاسلامي ، بما في ذلك بالنسبة لعرب فلسطين عام 1948 مما يشير بمجملة الى امكانية تفكك النظام الاقليمي كما يريده العدو ومن يقف خلفه، لبناء ملامح علاقات جديدة تكون اقرب لمصلحة التحرير وارادة الشعوب والاوطان من اي شيء اخر،
– حرج وارتباك واضح في الرأي العام الاجنبي المؤيد لاسرائيل بروز بعض المواقف المتباينة في المعسكر الاوروبي،
– تأزم وخوف شديد في المجتمع الاسرائيلي، وظهور حالات من الانقسام الحادة، وفقدان متزايد للمبادرة، ونقص متزايد في المناورة وقصر يد لا يمكن الا تقويمها ورؤيتها في تراجع الحيلة وامكانية ايقاف هذا التدهور الخطير الذي اصاب ويصيب الكيان الصهيوني،
– حالة من الضعف والموازنات الحرجة المعطلة للمبادرات وقدرات الضغط في القرار الامريكي.
الظروف الايجابية هذه يمكنها ان تعطل او تخفف كثيراً من الاوضاع السلبية المعروفة في اوضاعنا.. وانه بقدر الضغط لتطوير الاوضاع الايجابية فانه بذات المقدار يمكن دفع العوامل السلبية الى الوراء.
من هنا تتطلب الاوضاع الراهنة اليوم تحركاً شعبياً ورسمياً سريعاً لكي نستثمر هذه الظروف ونعزز من قدرات القوى المقاومة والمجاهدة لا لكي تديم هذه المعركة فقط بل للاستعداد للمعارك القادمة ايضاً.. لكن الامر يجب ان لا يتوقف على نقاط الاحتكاك والمواجهة فقط، بل يجب استثمار هذه الظروف في كل نقاط الامة لنضعف من قبضة السلطة والدولة على حركة الشعوب والاوطان ولنعزلها اكثر فاكثر عن منطوق المنظومة الاقليمية كما يريدها الاعداء لنستعيد مفهوم الامة المتحدة في فعلها وكلمتها ومصالحها، ولندخل في روح وممارسة الحكومات الكثير من روح الشعب والمقاومة لتتحول الدول الى ممثلة لارادة شعوبها واوطانها لا الى اسيجة وسجون تحبس فيها الارادات الوطنية لمصلحة اسرائيل والاعداء.
امام تصور استمرار تطور الاوضاع ايجابياً يمكننا تصور احتمالين على الاقل، وهو ما يستدعي تصور السياقات او الاستراتيجيات المناسبة لها:.
-رغم صعوبة الاوضاع الدولية والمحلية، الا ان هناك احتمالات لا يستهان بها لاندلاع حرب ذات بعد تكتيكي، بل اوسع من ذلك. حرب تشنها اسرائيل او تشنها الولايات المتحدة الامريكية.. اذ كما يبين تاريخ المنطقة والعالم، فان تأزم العدو الذي ما زال يملك الكثير من القوى المادية هو حل ثابت تلجأ اليه القوى العدوانية لتصحيح ميزان القوى لمصلحتها ولتستعيد سيطرتها ومبادرتها على الاوضاع. ويخطأ من يعتقد بان دخيرة العدو قد استنفذت لا في مجال القوة العسكرية والمادية فقط بل ايضاً في مجال استغلال نتوءات وتناقضات اوضاعنا وتحريك العوامل السلبية في منطق الدول واستغلال حماقات تلك الزعامات الرسمية وغير الرسمية المزايدة والشعاراتية والتي مهمتها اثارة الفتن والانقسامات. صحيح ان مثل هذه الحرب قد تنسف جهوداً بذلتها الولايات المتحدة واسرائيل لما يسمى بطريق السلام الذي ما هو في النهاية سوى طريق الاستسلام. لكن هذه الحروب كما تبين حربي الخليج الاولى والثانية التي حركتها اجواء الشعارات والحماقات كانت سبباً مباشراً لاتفاقات مدريد ومن ثم لانطلاق ما سمي بسياسة التسوية. فالحرب ان اندلعت لن تكون بتمدد العدو كما حصل في الضفة الغربية بعد 1967 او بعد 1982 ليتحرك العامل الشعبي لمواجهته، بل ستكون على الاغلب بالضرب في مواقع ضعفنا، ونقصد بذلك في اطار الكيانات والمؤسسات الرسمية، او في اطار اثارة الفتن، او نزعات التزعم والتمحور، كما حصل بعد الانتصار الباهر في افغانستان او في مجازر الجزائر او في غيرها من اوضاع لاستثمار كل عوال الضعف والارتباك والقلق والخوف الموجودة في مواقع عديدة في صفوفنا. فالهدف، بالنسبة للعدو، هو اعادة الحياة لنظام الضبط الاقليمي وابعاد تداعياته لمصلحة الشعب والوطن ليتحول من جديد الى صمام امان للاحتلال والعدوان. من هنا فان الوضع الافضل بالنسبة لقوى الجهاد والمقاومة الجادة والمسؤولة وليس تلك المزايدة والتي لا توحي باي ثقة، هو ابقاء حالة الارتباك والعجز في اوضاع وتصورات العدو وتعطيل ارادته.. اي ان ندخله في وضع اللاسلم واللاحرب. ان لا يذوق طعم السلام باعمال مسؤولة ومقاومة واضحة تستنزفه وترهقه.. وان نزن افعالنا لكي لا نترك امامه من خيار سوى خيار العدوان والحرب بشكلها اعلاه. ولعل افضل منظم لهذه السياسة هو ان نفعل نوعاً من الوحدة الضمنية، وليست الفعلية او الكلية، بين القوى المقاومة والمجاهدة مع قوى التردد والوسطية، حكومات كانت ام حركات. اي ان نحافظ بوعي ومبادرة على جزء من النظام الامني المتمثل بالدول والتي ارادها العدو ضماناً لامنه. مثل هذا التصور ان نجحنا في ضبط مساراته، كما نجح حزب الله في تنظيمه بالنسبة للدولة اللبنانية وايضاً بالنسبة لقطاعات مهمة غير ثورية من الشعب اللبناني، فان من شأنه اي يدخل عامل التردد وضعف الحيلة عند العدو. لا يستطيع ضرب كل مرتكزاته ولا يستطيع مسك زمام المبادرة امام مقاومة تستظل بغطاء لا يمكنه اختراقه لضربها وتحجيمها. عند النجاح في ذلك، وهذا امر ممكن ويستدعي وعي والتزام المجاهدين المسؤولين فان قوى الجهاد والمقاومة، حركات كانت ام حكومات، تستطيع من ان تجر العدو الى معارك بطريقتها التي تجيدها هي والتي لا يجيدها العدو، مما سيبقي المبادرة وميزان القوى لمصلحة عملية التحرير.
– ان تصيب حالة التصعيد الراهنة الانظمة والحكومات، بل حتى قطاعات غير رسمية بحالة من الارهاق والخوف والقلق، خصوصا وان مصالحها قد بنيت بالتواصل مع منطق يجعلها اقرب الى مصالح الخارج والعدو منها الى مصالح شعوبها واوطانها.. فالعدو ومن ورائه الولايات المتحدة قد يزيد ضغطه في مواقع ليرفع عن مواقع اخرى الضغط ويفتح ابواب التصالح وبعض التنازلات الشكلية. ومما يرجح مثل هذه التصورات، ان العديد من الحكام ان لم نقل اغلبهم ما زالوا يرددون ويكررون ان لا خيار سوى خيار ما يسمى بالسلام المزعوم الذي ما هو في النهاية سوى سلام لاسرائيل وحرب وفقر وتمزق بالنسبة لشعوبنا. بكلمات اخرى سيشجع العدو كل العوامل لكي يتحرك نظام الضبط الاقليمي من جديد ليحجز طريق التحرير والثورة. والمشكلة الكبيرة، كما ذكرنا في البداية، اننا في معركة فلسطين الشاملة والكلية لم نمتلك ولا نملك بعد مركز قرار فاعل وواضح (او على الاقل محصلة مركز قرار بيده ادارة وتوجيه المعركة وضبط مساراتها واستراتيجياتها)..فالمعركة مع العدو فيها الكثير من ردود الفعل، هي خليط من ارادات حكومية وشعبية تختلف وتتباين في وجهات نظرها, وهي في احيان كثيرة متعارضة، بل متصارعة. وهنا لا مجال لتعطيل مثل هذا التطور السلبي الا عبر التشديد على طرح الملفات التي لا يمكن لاية سلطة ان تتنازل عنها كملف القدس او عودة اللاجئين ومنع توطينهم، والسكوت على منطق الدول ولو تكتيكيا بالاستظلال بقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية مثل قرار التقسيم او القرار 242، والذي وان كان لا يلبي مطلب التحرير الكامل، او الذي قد يفتح باب المساومات مجدداً، لكنه بالمقابل يمثل قرارات تجاوزتها اسرائيل ذاتها ولم تعد بقادرة على تحقيقها، كل ذلك لتصعيد عوامل التناقض بين الحكومات والدول العربية والاسلامية من جهة والعدو من جهة اخرى. بالمقابل على القوى المقاومة والمجاهدة ان تشجع كل خطوة ايجابية تتخذها الحكومات والدول لا ان تحاصرها اما بالدخول في معركة ضدها او بالذهاب لتستنجد بقوى خارجية على شعوبها.
اننا نعتقد بان النجاح في المعارك السابقة وفي تغير الكثير من موازين القوى سيكون بالنسبة الينا امر اكثر ثباتاً، ونعتقد بالمقابل بان الهجمات المضادة للاعداء ستكون على هولها وتضحياتها، اقل فاعلية.. فالاوضاع ما تطورت بالشكل الذي تطورت عليه الا بسبب دماء الشهداء والتضحيات العظيمة التي قدمتها امتنا.. فهي ليست اخطاء حساب عند العدو سببتها زيارة مدروسة او غير مدروسة لشارون الى الاقصى الشريف، او سببها الحصول على اصوات في معركة انتخابية تجري في اسرائيل او في الولايات المتحدة. انها في نظرنا تطورات تاريخية تجد لنفسها مقومات وجذور عميقة في منطق تاريخي وفي وقائع اقليمية وعالمية لا يمنع رؤيتها بالنسبة للبعض الا بسبب استمرارهم على روحية الشك والقلق والخوف وعدم الثقة التي استشرت في النفوس بعد اجيال الهزيمة والضعف. فالنهضة الاسلامية حقيقة امتدت للعالم كله، والشعوب الاسلامية تزداد ثقة بنفسها.. والعدو يزداد ارتباكاً وانه منذ عام 1967 لم يحقق اية نصر حقيقي له بل راكم عدداً من الهزائم والنكسات.. وان قوى التدخل الاجنبي ان كانت قادرة بالاستمرار في ضغطها الا انها فشلت في معظم مهامها الرئيسية ومنها القضاء على الثورة الاسلامية في ايران او على حزب الله او على قوى الجهاد في فلسطين او في غير فلسطين او في ترتيب الاوضاع في العراق ودول الخليج او في بقية الدول العربية لمصلحتها. فالمعركة منظوراً اليها بالعين التاريخية والاستراتيجية وليس بحرب المواقع تسجل خطاً صاعداً لعملية التحرير وخطاً نازلاً للعدوان.. وهذه حقيقة يجب ان لا تغيب عن صناع القرار في الحركات او الحكومات عند اتخاذ قراراتهم، فينفذ صبرهم ولا يتحملون ضغط اللحظة فيصيبهم الاحباط والهلع والتراجع فيتخذون قرارات تعطل سياقات التاريخ الصحيحة، فيصيبهم الخوف والتردد مانعاً اياهم من اتخاذ القرارات التاريخية التي يعززها المنطق وسير التاريخ. اذا نجحت قوى المقاومة والمجاهدة –ان كانت في مواقع الحكم او الحركات- من وعي هذه الصورة فاننا نعتقد بان الوقت لن يتأخر لكي ننجز اخطر واهم مهمة وهي ان تعود الامة للاتفاق على مركز قرار او محصلة مركز قرار سيعبر وحدة الامة والتي كان تمزيقها هو العامل الاول والاخير في تأخرنا وانحطاطنا وفقدان الثقة بانفسنا والاعتماد على غيرنا لتضيع الاوطان وليضيع الانسان ولتضيع فلسطين وتدنس اقدس مقدساتنا.
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
https://telegram.me/buratha