عزيز الإبراهيمي ||
لم يكن الجواب الذي طرحه جورج قرداحي على سؤال تافه من احد الصحفيين المهزومين والذي تضمن مقارنة بين الماضي والحاضر نابع من رؤية مستوعبة للاحداث وملمة بكافة التفاصيل بل هو جواب يعبر عن انطباعاته الشخصية التي يرافقها بشدة ميل الانسان الفطري الى الماضي وانشداده اليه ورؤيته جميلا لانه غالبا ما يذكر بالصحة والشباب والعنفوان وينسي البؤس والخذلان والمصائب
لم يكن متوقعا من جورج قرداحي جوابا اكثر عمقا مما اتى به فالرجل اعلامي وحسب ولم يعرف بانه صاحب فكر ساطع ولا مواقف نضالية (اذا استثنينا طبعا نظرته الى حرب اليمن) فكل مالديه نقل لمشاهداته من دون اخضاعها لمعايير الحق والباطل والعدل والظلم والحرية والقهر
مجرد اعادة لشريط الزمن تجد اعلامي يحضر الى بغداد في الثمانينات التي كان العراق يخوض حربا دامية مع ايران بقيادة صدام ذو الاجهزة المخابراتية الهائلة والمدعوم بالمال والاعلام العربي لاشك ان ذلك الاعلامي يحظى برعاية رئاسية فائقة من اجل نقل صورة جميلة عن هذا النظام فمما لا يمكن ان يجادل به ان السيارة التي كانت تنقل ذلك الاعلامي هي سيارة مارسيدس فاخرة في وقتها من تلك التابعة لوزارة الاعلام او للقصور الرئاسية ومما لاشك فيه ان سكن هذا الاعلامي كان في احد الفنادق الراقية وما اقلها في ذلك الوقت ثم ان الشوارع التي سلكها مخطط لها من قبل السلطة لتكون مقتصرة على الشوارع التي فيها اشجار ونافورات
من الطبيعي ان جولات السيد قرداحي في وقتها لم تشهد ازدحامات كما هي اليوم فما نسبة الذين يملكون سيارات فيعكروا على الزائر مزاجه فلا توجد سوى الموصلات العامة ونزر قيل من السيارات لا تعادل ٢٪ مما موجود اليوم، حتى ان المارة في تلك الشوارع كانت مقتصرة على الطلبة والموظفين اما الذين من المفترض ان يملاؤا الشوارع كانوا في جبهات الحرب التي تلبي نزوات صدام الذي يرعى الحضور الاعلامي للسيد جورج وهذا مالم يعلق بذاكرته الكريمة لانه لم يشاهد مقبرة النجف التي تزداد يوميا ولا المستشفيات المكتظة في حينها من جرحى الحرب
من المؤكد ان جولات السيد قرداحي المخملية في حينها لم يعكرها جولة في اطراف البياع ولا في احياء مدينة الصدر الخالية من ادنى الخدمات والمفتقرة لمجاري الصرف الصحي والشوارع المبلطة والتي كانت الاحصنة والحمير تسرح وتمرح فيها وهي تضم اغلب سكان بغداد (الشروگية)، لم يحتك السيد قرداحي باهلها ليجد حجم البؤس الذي يعانون منه والتمييز الذي يطبقه عليهم ابن العوجة
من المؤكد ان السيد قرداحي لم يفكر وان فكر لم يجرؤ على سؤال النظام عن حقوق السجناء ومواقع تواجدهم لانه لم يكن في العراق سجين واحد ولم تكن قواويش ابو غريب وما يجري فيها من حفلات الاعدام الجماعي الا مأوى لمخلوقات لاتستحق ان تشوه المناظر التي ينتظرها اعلاميو العرب
جولات السيد قرداحي في السيارة الفارهة التابعة لوزارة الاعلام تم الحفاظ فيها على الاجواء اللبنانية من خلال تشغيل اغنية بغداد والشعراء والصور التي تغنيها السيدة فيروز بكلمات والحان الاخوين رحباني لان المغني فؤاد سالم كان يعاني التوحد فابعد من العراق ولم يولد بعد الجواهري ولا مظفر النواب حتى يسمع اشعارهم
السيد قرداحي بمقارنته بين ما قبل وما بعد لم يلتفت ان زيارته في تلك الاوقات كان فيها مسلوب الارادة يسار به حيث تريد السلطة ويشاهد ماتريد السلطة ان تريه اما اليوم فهو حر طليق يحتك بالناس الذين يزاحموا موكبه بسياراتهم الفارهة ويتنقل بين شوارعهم الجيدة والرديئة لم يلتفت السيد قرداحي ان في زيارته تلك كان محجوبا عن الناس الا رجال امن ومخابرات يريدوا ان يصنعوا انطباعا جيدا عن دولتهم اما اليوم فهو يحتك بشعب احب برامجه الاجتماعية وتلمس طيبة قلبه لذا يدور في معارضه ويحتفل به في اقدس البقاع …
لذا نقول للسيد قرداحي بدي اكتر من هيك بدي نظرتك تكون اكثر عمقا وبصيرة للامور والاحداث وان يكون تقييمك موضوعيا وان تدرك اثار ما تنطق به في ترسيخ القيم وتوجيه الناس نحو البناء اعتمادا على اهم قيمة انسانية وهي الحرية من قبضة الظلمة التي لم تتطرق اليها في تصريحاتك الغراء
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha