المقالات

اللي يشوف الموت...!


علي علي ||

 

  أكاد أجزم أن عنوان مقالي أعلاه ليس جديدا ولاغريبا على سادتي القراء، فجميعهم مرت عليهم تكملة المثل، تلك هي الحمى، وبعضهم وصل بهم السقم حد الموت، غير أن أجلهم لم يكن قد حان بعد. ولست بمبالغ إن قلت أني قبل شهور قليلة كنت من الأخيرين، وتوسدت فراش الموت -لاالمرض- منتظرا قدومه حيث الراحة الأبدية، والخلاص من مفاجآت الدنيا غير المرغوبة، والتحرر من متاعب الحياة التي يصنعها نظراؤنا في الخلق، ولاسيما تلك التي يطبخونها في أروقة مؤسسات بلدي الكبرى، وتأثيرها علي وعلى باقي العراقيين سلبا.

  مالاشك فيه أن العراقيين جميعا يعانون المعاناة ذاتها، على أيدي جلاديهم في السلطات الأربع، والتي أقر الدستور العراقي فردانية كل منها واستقلالها عن الأخرى، ولسوء حظ العراقيين فإن الدستور قد شُرع على عجالة -كما يدعون- لخدمة واضعيه ومشرعيه على حساب المواطن، وواضعوه يلقون باللائمة على عقارب الساعة، وليس على عقاربهم وأفاعيهم التي ما انفكت تلسع وتلدغ، نافثة سمومها في عروق المواطن المسكين، يقول شاعر الأبوذية:

أريد الطم بدال القاط قاطين

على الباگ الخزينة ولبس قاطين

ها يالگلت اسوي البيت قاطين

شجاك وهدمت كوخي علي

  هذا هو ديدن حكامنا الذين يتناوبون على إدارة زمام أمور البلاد، وفي حقيقة الأمر هم لايديرونها، بل يقلبون عاليها سافلها، ومانلمسه منهم لا يتعدى أذية العباد والبلاد، بعد أن باعوا الإثنين بأبخس الأثمان. وإذا استعرضنا بطولاتهم في السرقات والتخريب المتعمد بأركان البلد، فإننا لن نبدأ بمشروع الحرير، ولن نتوقف عند مشروع صحراء السماوة وماتحتها، فضلا عن حقول النفط المباعة والمباحة، والإقليم الذي مُنح على طبق من ذهب، مقابل منافع شخصية وفئوية، وما خفي كان أعظم وأدهى وأمر.

  يروى أن واليا من ولاة العراق جاءته هدية من أحد الملوك، وهي عبارة عن قطعة قماش نادرة ونفيسة، فأرسل الوالي إلى أشهر خياطي الولاية أمرا بالحضور، وطالبه بخياطتها بدلة له، فما كان من الخياط -بعد قياسها- إلا أن يعتذر عن تنفيذ الأمر، وكانت حجته أن القطعة صغيرة على جسد الوالي، وبعد حين أرسل الوالي إلى خياط ثان، فاستجاب الأخير إلى الأمر وأكمل خياطتها للوالي على أتم وجه. وذات يوم وبينما كان الوالي يتجول في سوق المدينة، شاهد طفلا يلبس ثوبا مخاطا من القماش ذاته، فاستوقفه الأمر وأرسل إلى الخياط مستفسرا عن كيفية حصول هذا، فأجاب الأخير أن جزءا من قطعة القماش قد فضلت، وهي تكفي لعمل بدلة لابنه الصغير، أما الخياط الأول فقد كان جسد ابنه أكبر، فأعاد القطعة برمتها إلى الوالي وأفسد عليه الجمل بماحمل.

  وهذا عين الشبه بآلية سرقات مسؤولينا، إذ هم يسرقون أكبر نسبة من المال، وإن لم تغطِ جشعهم فإنهم يرفضون البضاعة جملة وتفصيلا، ويتحمل المواطن الخسارة وحده كما حدث في شحنة التمن -على سبيل المثال لاالحصر-. ولم يفت أولي الحكم أن يطمئنوا المواطن بعبارات معسولة، ويوعدوه بأحلام شفافة لمستقبل مشرق، فيرونه الموت ليقتنع بالحمى نصيبا وقدرا محتوما، وهم بهذا يحاكون شاعر الدارمي في قوله:

إنت النطرت البيت وانت التبوگه

          إتحطلي سم بگلاص وتگلي ضوگه

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك