عمر الناصر *||
* / كاتب وباحث سياسي
من يريد التقاط صورة تقريبية للتفتت والانقسام الذي شاب المشهدين السياسي والاقتصادي بصورة ذات أبعاد ثلاثية ، فليكن بمثابة الهليكوبتر التي ترى الاشياء من الاعلى بوضوح تام على العكس من عربة الهمر التي ترى فقط ما هو موجود في الجوانب،وعند النظر بميكروسكوب مراقبة الاحداث السياسية فما عليك الا ان تفكر بكلمتين لتحل شفرة الرموز المبهمة الموجودة امامك "ماذا" و "لماذا" لانها ستغنيك عن التأويل او الذهاب بعيداً بالواقع والتحليل ، و ستجنبك بعض الشظايا التي ربما تصيب قاعدة البيانات لديك لتتحول ذاكرتك انذاك لذاكرة سمكة .
جميع الاشارات تؤكد بأنه سيكون امامنا صيف سياسي لاهب ، وعلى مايبدو ان هنالك بوادر سخط شعبي يبدأ من ساحة النسور لينتهي بساحة الطيران ، وكلا المكانين يندرجان ضمن عوامل الخلافات العقيمة والعميقة التي شهدنا مابينهما عواصف شعبية وكلما ذهبنا الى الحلحلة ، كلما رأينا اصابع تحاول ان تضع لها بصمات لزج الشارع والرأي العام الى معترك ومنعطف خطير ليس للاخير فيه ناقة ولاجمل.
ازمة ميزانية لن تقر بسبب الاختلاف الحاصل بين الاطراف السياسية التي تقف بعضها مع قانون الامن الغذائي والاخرى تقف بالضد منه، وبوادر ازمة غاز عالمية ستقرع جرس الانذار قريباً لتصل الى منطقة الشرق الاوسط كلما اقتربنا من فصل الشتاء الذي يضرب القارة العجوز ، لنجد انذاك بأن الخارطة السياسية ربما ستأخذ شكلاً هلامياً جديد من اشكال التجاذبات والانقسامات والولاءات الداخلية والخارجية تنعكس اثارها بصورة واضحة على شكل النظام السياسي القائم ، وبدلاً من ان نجني ثمار نواة التغيير التي تنادي بها القوى السياسية سنضطر ربما أن نشاهدها تنشطر الى نواة مثلها، وقد يكون التنافر القطبي سيد الموقف .
الاطراف الكوردية ضمنت لها دستوراً مناسباً لمقاساتها واهدافها المستقبلية بجميع الاحوال ، لكن حجم تطلعاتها قد لاقت اليوم رقابه خشنه بسبب ظهور احزاب كوردية فتية، بدأ افكارها تلامس مذاق المواطن الكوردستاني، وهذا هو اسوء وقت يمر به الحزبين الكورديين الحاكمين اللذان بدأ يستشعران بأن هنالك بداية لانكفاء داخلي وربما افول بدأ يلوح بالافق، ومن يدقق بالانسداد السياسي سيجد السبب في تأثير الانقسامات الداخلية للكورد الحليف التاريخي للشيعة ، ولم يكن ذلك بسبب تحالف السنة الذين بدأوا يتقنون طريقة مسك خيوط اللعبة السياسية. لان بعض الاطراف في البيت السني قد اعلنوها صراحة بأنهم لن يكونوا طرفاً في معادلة الصراع على منصب رئيس الوزراء ، والدليل انهم لم يعترضوا على ترشيح اي شخصية لهذا المنصب في السابق ، لكونهم تعلموا درساً قاسياً في خطأ عدم مشاركتهم بإدارة الدولة في عام ٢٠٠٥، الذي جعل من ذلك نقطة مفصلية وانعطافة حقيقية للتحول من مبدأ مقاطعة العملية السياسية بدواعي الاحتلال الى رفع شعار التوازن وتعديل الاختلال، لغرض مواكبة النظام السياسي الجديد والايمان بمبدأ القبول بالرضى بحصصهم من الوزارات، دون اللجوء للمعارضة التي كان لبعضهم انذاك قدم فيها وقدم اخرى في الحكومة.
وهنالك اراء مختلفة بعضها تقول بأن اكثر المتضررين من الانسداد السياسي هم الشيعة ومسؤوليتهم اصبحت اليوم على المحك ، بل أصبحوا بين امران احلاهما مُرْ، مابين اختبار حقيقي لاثبات الوجود ودحض الاتهامات الموجهة اليهم بعدم قدرتهم على ادارة الدولة ، ومابين ارق وحيرة معالجة الصداع النصفي المزمن لديهم الذي يؤثر على تصحيح المسار السياسي ، ناهيك عن صراع كسر الارادات كما يراها الرأي العام، يخشى الجميع من حصول اي احتكاك او تصادم قد تستغله اطراف خارجية لسحبهم لمساحة تستطيع فيها اللعب على قدح شرارة الفتنة المذهبية لدحرجة كرة النار بإتجاه اقتتال وحرب الاخوة ، التي تتمنى بعض الجهات الدولية والاقليمية تحقيق هذا الهدف لاسامح الله.
واراء اخرى تقول بأن الحكم لم شيعياً فقط بل اشتركت به ثلاث مكونات رئيسية ، ففي اوقات الفشل والاخفاقات تجد جهات سياسية تسعى لان يحسب ذلك على الشيعة فقط ، وفي النجاحات وتحقيق المنجزات تجد ذات الجهات تنادي بتجيير ذلك لجميع المكونات والحقيقة ليست كما في المثالين اعلاه على الاطلاق ، انما الخلل يقع في تأرجح النسبة المئوية لتصدير واستقبال وتأثير الازمات وانعدام الارادة السياسية وكأنها اصبحت تندرج ضمن قائمة العرف السياسي .
لذا بامكاني القول بأن الوضع الصحي للتحالفات بصوره عامه يمر بوكعة صحية قد تدخله لغرفة الانعاش، في وقت اصبح تأثيرهم في الشارع محدود او ضعيف ، وبدأ البعض منهم يبحثون انغماس سياسي جديد ولكن هذه المرة داخل القوى المدنية في محاولة لانقاذ مايمكن انقاذه من بقاياً مكاسب انتخابية لاعادة ثقة الشارع بهم مجددا ، دون اللجوء لاستيراد ايدلوجيات بألوان جديدة تعمق الشرخ وتزيد التصدع الحاصل بين امراء الطوائف الذين يؤمنون بمقولة "انا وليكن من بعدي الطوفان "
انتهى ..
عمر الناصر - باحث في الشأن السياسي,
خارج النص/ مرحلة الافول الايدولوجي والانكفاء السياسي بانت طلائها لوح في الافق…