ماجد الشويلي *||
* مركز أفق للدراسات والتحليل السياسي
كنت قد كتب في السابق مقالا بعنوان
(المعركة القادمة معركة تشريعية بامتياز) ، وها أنذا أعود اليوم لأؤكد على أن رحى الحرب التشريعية قد دارت حول محور واحد ، هو تغيير وجهة العملية السياسية ، وتكبيل العراق بسلسلة من القوانين والتشريعات التي ترهق كاهله الإقتصادي وتصيب ديناميكيته السياسية بالترهل مستقبلا.
أنا أعرف أن كلامي هذا لايروق للكثيرين،
وقد يبدو للبعض مستغربا ، وآخرون يظنون أني كتبته ممتعضا من التصويت على قانون الأمن الغذائي .
فأنا وإن كان لي رأي خاص في القانون وآلية التصويت عليه ، إلا أنه لايهمني بقدر ما يهمني الستراتيجية التشريعية التي وضع مجلس النواب قدمه على سكتها.
فقانون الأمن الغذائي كما أن فيه مثالب فإن فيه منافع من جانب آخر.
إلا أن الأمر لايقف عند هذا القانون ، ولا عند مضاره ومنافعه فحسب.
إن ما أريد التأكيد عليه هو عدة معطيات ومعايير لابد من لحاظها في المرحلة الراهنة.
أولا -إن عملية التشريع الإضطراري التي تقع تحت ضغوط وإملاءات الظروف الاقتصادية والأمنية مفتعلة في الغالب ، وتتحرك بإيقاع محبوك من الخارج.
الهدف منها تطويق البلد بمنظومة تشريعية تستنزف قدراته ومقدراته،
وترهنها إما للمصير المجهول ، أو لوطأة الإستنجاد بالخارج حينما تصبح أبواب الحلول المحلية مؤصدة.
ثانيا- إن تركيبة البرلمان الحالي لاتشجع على خلق التكافؤ بين الفرقاء السياسيين، لإيجاد أرضية مشتركة ، وضمانة تشريعات حصيفة تستشرف التحديات المستقبلية وتضع لها الحلول اللازمة . وتحول دون أن تتحول التشريعات الإضطرارية الى شرنقة قانونية تلف بها السلطة التشريعية نفسها فيصعب عليها الخروج منها بعد ذلك.
ثالثاً:- لابد للمشرع أن يلتفت الى أن الظروف القاهرة ظروف مرحلية متغيرة،
لاينبغي أن يؤسس لها في التشريع على أنها واقع مستمر وثابت.
وعليه لابد أن يكون العلاج القانوني للمعضلة والأزمة المرحلية علاجا مرحليا أيضاً.
فيتم تضمين القوانين التي تدفع الظروف القاهرة لتشريعها آلية حلحلتها للأزمة تدريجيا ، مع إمكانية العودة الى الوضع الطبيعي حال زوال الأسباب التي أدت الى إقرارها.
وأن تضع السلطات التنفيذية نصب أعينها صياغة نمط خاص من التنفيذ والتطبيقات الأجرائية، ما يمنع من تحول الاستثناءات الى قاعدة تطبيقية لايجوز المساس بها.
رابعاً- هناك الجانب الاعتباري والبعد المعنوي ، وهو من أهم الموارد التي ينبغي أن تلحظ في صياغة القوانين ، خاصة تلك القوانين التي تتعلق بأحوال المواطنين بشكل خاص ومباشر .
وفي إطار التنافس السياسي تشتد ضرورة أن تلحظ الجهات السياسية المعارضة أو المؤيدة لتشريع ما _خاصة إذا ما دخل في حيز المناكفات والمساجلات السياسية_ إنعكاسات التأييد أو الممانعة لذلك التشريع على مصداقيتها مع الجمهور وانعكاساته المستقبلية ،وليست تلك التي تحقق المكاسب الآنية فحسب.
خامسا:- إن عمل السلطة التشريعية في ظل الانظمة الديمقراطية لاتحددها كفاءة النواب لوحدها ، مهما كانت تلك الكفاءة والقدرات عالية ومرموقة ، مالم تكن جزءا من اطار ستراتيجي ترسمه القيادة السياسية التي ينبغي أن تكون واعية وعميقة في قراءة المشهد السياسي ومآلاته.
وفي حال كون القيادة السياسية جماعية أو إتلافية ، لابد حينئذ من اعتماد رؤية مشتركة تقوم بالأساس على تحقيق الهدف الستراتيجي المشترك لذلك الائتلاف ، وتحافظ على تماسكه الى أقصى حد ممكن ، وتضمن له الصمود على احتواء الارتدادات السلبية لذلك التشريع فيما لو اختلفت الظروف والمعطيات التي ادت الى اقراره.
سادسا:- انا هنا لا اتكلم عن قانون الأمن الغذائي وحده وإنما اتحدث عن السياق التشريعي الذي شرع بع به فهو يشي بأننا مقبلون على جملة من القوانيين التي ينبغي الإستعداد التام للتعامل معها بحنكة وعقل ستراتيجي عميق.
سابعا:- أنا على اعتقاد تام من أن ظواهر بعض القوانين والاتفاقيات الحالية وإن كانت أنيقة وغاياتها مبررة لكنها بلحاظ المجموع تشكل تحدياً للعراق في المستقبل على جميع الصعد .
وأهم مافيها أنها قد تجعله يوما ما في مواجهة التطبيع وجه لوجه، أو تجعل النظام السياسي في مواجهة الأمة
لاسمح الله