المقالات

ليل وعتابة وراوتر

1575 2022-06-13

حمزة مصطفى ||

 

  كان الليل على عهد إمرؤ القيس مثل موج البحر يرخي سدوله ليبتليك بكل أنواع  الهموم. وكان عند النابغة الذبياني عنوانا لكل الهموم التي "تلتم" عليه حتى ليبدو "بطئ الكواكب". وإذا كان "ليل العاشقين طويل" عند المتنبي, فإنه يأخذ دلالة أخرى عند بدر شاكر السياب. فصورة الليل عند السياب تبدو مغايرة لدى سواه من الشعراء. فإذا كان الليل عند مظفر النواب موضع إحتجاج "ياليل صدك ما أطخ لك راس وأشكي لك قهر" فإن السياب حين يقول "الليل يطبق مرة أخرى فتشربه المدينة" فإن مفردة "تشربه" تمنحه دلالة مغايرة لإحساس كل من إمرؤ القيس والنابغة الذبياني والمتنبي. 

 وبينما يقف الليل معاتبا وديع الصافي طالبا منه أن "يسلم على ليلى" فإن الفولكلور الغنائي الشعبي العراقي حافل بصور أخرى عن الليل "عندي الك سوالف مايكفي الليل" و "أجلبنك يليلي 12 تجليبة .. تنام المسعدة وتكول مدري به". لكن كل هذا   النوع من الغناء إرتبط بالليل والعتابة قبل "دكة" كوزمبيرغ التي الغت الليل بعد أن حل الراوتر والباسوورد محل العتابة والسويحلي والأبوذية. بمعنى أدق أدى ذلك كله الى "عولمة التعلولة". فالليل إن كان على عهد إمرؤ القيس أو النابغة أو المتنبي, مجرد إنعكاس لحالات وهموم فردية, فقد بدا عند السياب موقفا جماعيا قبل أن يحل الراوتر محل تلك الإنعكاسات. فبعد "دكة" كوزمبيرغ الحضارية "إختراع الفيس" إنتهت علاقة الليل بالشعراء والعاشقين والعاطلين والمغنين. كان من النتائج العرضية لهذا الإختراع الغاء ربابة وعتابة جبار عكار الذي كان يطارد الليل والليل يطارده. فالليل بالنسبة له عتابة لاتنتهي الإ بإنتهاء الليل الذي قد يجلبه 12 تجليبه بينما "تنام  المسعدة وتكول مدري به".

 اللحظة التي نحياها اليوم غيرت مفهوم الزمان والمكان معا. فإذا كانت الربابة إرتبطت بالليل فإن الراوتر  حسم خياراتنا الليلية والنهارية. لم يعد في ظل الراوتر والباسوورد أن يكون المكان مقهى أم دائرة أم غرفة إنتظار طبيب أو حلاق, والزمان كذلك. ولأن "اللي  بقلب الضيف يقرأه المعزب" فإن المعزب يمنحك بدل القهوة كلمة السر. وحيث أن "خطار الأول معزب الثاني" فإنه يتولى بدل المعزب الأصلي منحك الباسوورد فتتيه مع كل أنواع الأخباروالمعلومات والبرامج والفيديوات. نهارك مثل ليلك تماما. لاتحتاج أن "تطخ" له رأس, ولا يطلب منك أن تسلم بدربك على ليلى أو ترى كواكبه البطيئات. فالرواتر يمكن أن يجول بك في كل مكان ناقلا الخبر والمعلومة والفضيحة وإذا كانت بجلال أحلى ويريك في عز الليل .. نجوم الظهر أو كواكبه.

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك