مازن البعيجي ||
في إحدى معاركنا ضد د١عش وفي مكان ما كان القتال به شرسٍ وأخذ عِينة شبابنا ، حيث كان القنص يحصِد بتلك الرؤوس التقيَّة المُؤمنه والتي طلّقت الدُّنيا وزُخرفها ، وكلّما تقدمنا قدّمنا شهداءاً كورودٍ يقطفها أنجاس ، مضى يوماً وكان من أقسى الأيام ونحن نُخلي أجساد شهدائنا الطاهرة التي كانت كأقمار أفَلتْ في لحظةٍ واحدة ، وتعرّفنا على كلّ الجثث الطاهرة، إلاّ جثة واحدة كانت شبه سالِمة إلاّ اطلاقة واحده إخترقت قلب صاحبها ، قبّلتُ وجههُ البرّاق حيث تعلُوه بسمة ككُل الذين يفِدونَ على الله سبحانه وتعالى من الشهداء ، حملناه ولكن دون أن نعرف إسمه ومن يكون ، وصلنا بهم إلى مكان مؤمَّن ليتم تشييعهم لأهليهم وبقي جثمان ذلك الشاب الذي يضع إشارة البسيج على عُنقه ، الكل يقولون لا نعرفه وقد يكون من الوجبة التي أتت ليلاً من قِبل القائد فلان ، قام أحد الإخوة بالتفتيش في جيوبه التي أغرقتها الدماء القانية وأصبنا بالذهول …وإذا بهوية أحوال مدنيّه إيرانيّة ورسالة وبعض الأموال وصورة للإمام الخُميني قُدّست روحه وأخرى للقائد الخامنئي ، تبيَّن لاحقاً أنَّهُ زائراً إيرانياً جاء للزيارة لكن ، كانت نيَّته الأشتراك بالقتال ضد الأرجاس "داعش" وتلبية الفتوى المباركة ، أخذنا الرسالة التي في جيبه وقد كانت مطوّلة كُتِبت فيها العبارات التالية :
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة على نبينا الأكرم مُحمَّد وآله الطيبين الطاهرين .
سيدي أبا عبد الله الحُسين ، منذ أن عرفتُ مظلوميتك وما جرى عليك وفي قلبي نيران تستعر ولا أكاد يقرّ لي قرار ،، وقتها أنا آخر سنة لي في الجامعة ، وقد سمعت بالفتوى وإنَّ د١عش تُريد هدم قِبابِك ، ذهبت إلى والدي الحاج رضوي والذي أنا إبنه الوحيد وأختي كوثر الصغيرة وزوجتي نرجس التي إشترطت مهرها أن أمضي شهيداً وأن لا أختار غيرها ولن أختار ، وقلتُ له يا والدي يا حاج رضوي أنت السبب وكانت العبرة تخنقني فتعجبَ ! ولم يفهم طلبي وملامتي.
قال لي ولدي حبيبي لم أفهم ما تعني؟ قلت أنت السبب في حُبي للحسين (عليه السلام) إغرورقت عيناه بالدموع وقال لي ، لِمَ تقول ذلك يا قلب ابيك ؟ قلت أريد الذهاب لزيارة الحُسين (عليه السلام) ، فقد غمرني الشوق ، تجمعت العائلة وأخذت تبكي بصوت عالٍ وشوق وشغف ، قال والدي أنا لا أُمانع يا حبيبي رتّب حالك وعليّ مُؤنة السفر ، قُلت بشرط أن تُجيزني بأيِّ تصرف شرعي حتى لو لم أخبرك به ولك عليّ أن لا يخرج تصرّفي خارج ما يُقِرُّ عينك عند الحُسين (عليه السلام) طأطأ الأب الحنون رأسه وكأنَّهُ فهم ما يريد أبنهُ المهندس والذي بعد أيام يتخرّج من الجامعة .
جاء يوم السفر هويتُ على قدَميّ والدي ووالدتي أشكرهُم على نعمة الولاية وحب العترة المطهرة (عليهم السلام) وقلتُ لهُ ياحاج قد يزيد بُكائك على الحُسين (عليه السلام) وقد تُضاف جمرة إلى جمرة الحُسين (عليه السلام) فلا تجزع ، فقد يمنَّ الله تعالى عليك بشرفٍ لم يكن في الحُسبان ، تعانقنا بحرارة ودموع وعند عناق أمّي كانت المفاجأة همسَت بمقطعِ الأنفاس رغم صمتها منذ عرفت السفر ، قالت كبدي وجمال عمري والأمل ، قبّل لي أقدام الزهراء (عليها السلام) إن أقبلتَ عليها ، صرختُ مذهولاً من كلامها وعرفت أني شهيداً لا مُحال ، هويت على أقدامها أُقبّلها لرباطة جأشها والثبات ،
هل وفيتُ يا أبا عبد الله ؟ ...
كل الحاضرين عند الجسد الطاهر قد سمعوا قراءة الرسالة فضجّ الحاضرون بالبُكاء والعويل واللطم على الوجوه والصدور على نعمة تلك النماذج الولائية والنخبة والصفوة من عشاق الحسين (عليه السلام) أخذنا نُقبِّل وجهه واليدين التي تفوحان منها عطر الجنّه والتي تأنس الروح به كما بقية الشهداء .
كان طَلبه أن يُدفن في روضة الشهداء في العراق ويُكتب على قبره (أنا رضيتُ بكَ سيِّدي فهل تَرضى بي) ؟
نُسخةً منهُ الى: أصحاب القلوب المليئة بالحقد على أيران الإسلام
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha