المقالات

نحو نظام منصف للشراكة


محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

في دراستنا وتحليلنا للمشكلات التي يواجهها المجتمع العراقي، وبالتالي تحديد الموقف منها، وتاليا العمل على حلها، نحتاج الى توفير وعي عميق بمفهوم المجتمع وحقيقته. ومع ان علماء الاجتماع تحدثوا كثيرا عن تعريف المجتمع، الا انني وجدت افضل من كتب عن ذلك هو الفيلسوف الاميركي جون راولز الذي سوف استعيد بعض افكاره الواردة في كتابه الشهير "نظرية في العدالة".  المجتمع في حقيقته هو مجموعة من الاشخاص الاحرار المتساوين العقلاء الذين تجمعهم على بقعة محددة من الارض شبكة علاقات ضرورية للشراكة الخاضعة لشروط عادلة ومنصفة تستهدف تحقيق الخير لجميع المشاركين. وينبثق عن هذا قواعد معينة يتعين على الجميع الالتزام بها من اجل ادامة هذه العلاقات. وقد لاحظتُ ان كل الشرائع السماوية وكذلك الوضعية تعمل من اجل ارساء هذه القواعد وتثبيتها وحمل الافراد على التقيد بها للحفاظ على مصالح الجميع بصورة منصفة وعادلة. وفي مقدمة ما تسعى اليه هذه القواعد حل الخلافات والنزاعات بين الافراد، بالعدل والانصاف، وهذا امر متوقع في المجتمع البشري. وقد لاحظتُ ايضا ان القران الكريم قد اولى هذه المسألة اهتماما كبيرا يكون من المفيد بالنسبة لمجتمع المسلمين الاهتداء بها ومراعاتها، دون ان ننسى بطبيعة الحال الخبرة البشرية المتراكمة في هذا المجال ايضا.  اصيب المجتمع العراقي منذ زمن طويل بخلل حاد في هذه القواعد الملزمة للسلوك. وربما امكننا العودة بتاريخ وقوع هذا الخلل الى وقت حوالي فترة سقوط بغداد تحت الاحتلال المغولي في عام ١٢٥٨، قبلها وبعدها. ويمكن تحديد وقت اقرب لحصول هذا الخلل في الفترة التي تلت سيطرة الدولة العثمانية على العراق في فترتها الثانية اعتبارا من سنة ١٦٣٨ وما بعدها. ففي ذلك الوقت لم تكن الدولة العثمانية ذاتها بمنجى من هذا الخلل. فقد كانت هي نفسها تعاني من الخلل الحاد في شبكك العلاقات التي تنتظم المجتمع. فلم يكن من المتوقع ان يكون دور السلطة العثمانية اصلاحيا في هذا المجال. وحينما ندرس الخطوات الاصلاحية التي قام بها بعض الولاة العثمانيين نجدها ابعد ما تكون عن اصلاح او تحسين شروط العلاقات الاجتماعية. ولم تكن العهود التي تلت فترة تكون الدولة العراقية الحالية بعد الحرب العالمية الاولى وسقوط الدولة العثمانية بافضل حالات، فقد تراكمت مضاعفات هذا الخلل، بسبب ما صاحبه من فساد وجهل وفقر وغير ذلك الامر الذي ابعد المجتمع العراقي عن التعريف  الذي ذكرته قبل قليل،  و تخلخلت قواعد الحرية والمساواة والعقلانية كثيرا، ولم يعد سلوك الافراد مطابقا لشروطها.  وظهرت نزعات في المنظومات الفرعية للمجتمع العراقي وفي مقدمتها الاحزاب والقوى المجتمعية المختلفة لا تحترم الشروط الثلاثة للشراكة الاجتماعية المنصفة والعادلة واقصد بها الحرية والمساواة والعقلانية، واجازت هذه المنظومات لنفسها حق الوصاية على الاخرين وفرض الخيارات السياسية او الاقتصادية او العقائدية عليها. وكل هذا يحوّل الى الاختلاف بين البشر من كونه سببا الى التعارف بينهم، كما يشير القران الكريم، الى سبب للخصومة والاحتراب والقطيعة والتصفية المتبادلة. وهذا ما شهده المجتمع العراقي، ويشهده، على الاقل منذ عام ١٩٥٨ الى اليوم، بصيغ مختلفة واساليب شتى.  ان اصلاح احوال العراق لا يتحقق بالشعارات العامة التي يجري اطلاقها فيما يخص النظام السياسي او شكل الحكومة او ما شابه، وانما يتم من خلال اعادة تشكيل العلاقات البينية بين الناس جميعا كونهم احرارا ومتساوين وعقلاء يتعين عليهم  التعاون من اجل تحقيق الخير العام لهم جميعا، وعلى اساس نظام منصف وعادل للشراكة في الثروة والسلطة والارض.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك