حمزة مصطفى ||
لماذا نعود الى أهلنا دائما؟ هل لأنهم حكماء؟ هل كلهم كذلك بمن فيهم "أبو المثل اللي ماخله شي ماكاله" الذي ينتمي "قول وفعل" الى جيل أهلنا الطيبين المسالمين "البايسين" أيديهم "وجه وكفه" ؟ أم لأن الحنين الجارف الى أيامهم هو الذي يدفعنا الى العودة اليهم في السراء والضراء ضاربين بذلك نظريات التطور عرض الحائط؟ الم يقل هرقليطس الذي عاش قبل أهلنا بعشرات القرون "أنت لاتعبر النهر مرتين؟". الم يقل كارل ماركس يمكن للتاريخ أن يعود مرتين لكن مرة على شكل مأساة ومرة على شكل ملهاة. نحن بعودتنا الدائمة الى أهلنا نمزج بين الملهاة والمأساة لأن التاريخ عندنا هو ماسطره الرواة وما أقنعنا أنفسنا به لا بكمية الصدق أو الكذب في رواياته وغالبيتها مفتريات.
عاش أهلنا في أزمان مختلفة وظروف مختلفة وأنماط من العيش والحكم والقناعة مختلفة. وعلى أساسها رسموا حياتهم الرتيبة المملة التي من بينها 400 سنة تحت ظل الحكم العثماني الذي جعل غالبيتهم لا يعرفون "الجك من البك". السلطان الذي هو ظل الله على الأرض هو وحده من يعرف "الجك من البك". ولأنه كذلك فما على المؤمنين الإ التصديق به وبما يقول وبما يصدر عنه من فرمانات أيا كانت تلك الفرمانات التي لم يكن من بينها كما يحدثنا التاريخ فرمان "بيه خير". في تلك الفترة التي يطلق على بعضها العصورالوسطى او المظلمة وفي أوربا يسمونها "القروسطية" كان أهلنا يقنعون أنفسهم بالعيش الرغيد تحت ظل السلطان والولاة ومن هم في منزلتهم. أهلنا حين يجوعون يقولون "لوفاتك الزاد كول هني". وأهلنا يقولون لمن ينتظر ولاسبيل أمامه سوى الإنتظار "أكعد بالشمس لمن يجيك الفي". وأهلنا يقولون لمن يروم السفر وخشية المغامرة "أمشي شهر ولا تعبر نهر". كانت أوربا في تلك الفترة بدأت تعبر البحار والمحيطات والقارات وليس في قاموسها الإنتظار ثانية واحدة. وفي تلك الأثناء التي كان فيها أهلنا يصبروننا قائلين "اللي يكع من السما تتلكاه الكاع" ويحذروننا من أن "الطايح رايح" كانت أوربا غادرت حكاية كروية "الكاع" من عدمها التي كانت حاكمت غاليلو بسببها. وبينما كان غاليلو اعطى الكنيسة على "كد" عقلها آنذاك حين أقر بعدم كروية الأرض قال بعد خروجه من قاعة المحكمة "ولكنها تدور". دارت بالفعل مع مفكري عصر التنوير فالنهضة. وفي وقت كان أهلنا مشغولين بإحراق كتب إبن رشد كانت أوربا قد نهلت من إبن رشدنا الذي عبر هو الآخرنهر الفكر والفلسفة ولم "يكعد" بالشمس حتى يأتيه "الفي" ولم يفته أي زاد معرفي حتى لو كان زاد خصمه الكبير أبوحامد الغزالي فكان "تهافت التهافت" الذي ناطح "تهافت الفلاسفة".
كون أهلنا عاشوا في ظل عصور متباينة والجزء الأكبرمنها مظلم وظلامي وفي ظل إحتلالات وغزوات إستعمارية مختلفة المشارب والهويات فإنهم لم يمهدوا لنا بشئ يمكن أن نستند اليه وعليه في معركتنا مع المستقبل. بكل صراحة لم يكن في قاموس أهلنا أي مفردة عن المستقبل. كل شئ لديهم ماض. بل أجمل ما يحبونه بل يعشقونه كان هو الماضي. الماضي بالنسبة لهم جميل وصالح بينما المستقبل من إختصاص "المدبر" وهو مايدفعنا الى عدم التفكير خشية الإتهام بالهرطقة. وطالما الغيب مضمون فما علينا سوى أن ننفق مافي الجيب طالما يأتيك مافي الغيب. ومن باب القناعة الزائدة يقولون لك حتى تنام رغد .. منو أبو باجر؟
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha