مازن الولائي ||
الغربة والتكلم عنها في زمن عالم بلغت نفوسه قرابة الثمانية مليار نسمة، بل وفي زمن التكنلوجيا المسلية والمشوقة والتي أصبحت أنيس مادي لمن لا أنيس له، أو حتى من له أنيس! ولكن ثمة ثلة من البشر لم يعد يعني لهم هذا العالم ولا تلك النشأة بكل ما زخرت مغرياتها، والسبب في ذلك أنهم حملوا "بصيرة"، ووعي، وإدراك أصبح السفينة التي نقلتهم من ضفة الدنيا ويقين وهم جمالها الزائل حتما وبوقت قصير "أقترب الساعة" إلى ضفاف تذوقها من لم يجد نفسه في أجواء المتكالبين على الدنيا التي عبر عنها أمامنا الصادق عليه السلام "حب الدنيا رأس كل خطيئة"
ثلة لم يخدعها ضلال التائهين، ولم يستدرجها تصرف الطالبين لحطامها أيا كان ذلك الحطام، منصب أو سلطة دينية، أو مدنية، أو إعلام، أو جماعة، أو حزب يحقق بها ما أمكن تحقيقه من متاع قليل ( مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) آل عمران ١٩٧ .
ومن هنا نجد أهل البيت عليهم السلام ومن علت رتبتهم في فهم فلسفة وجود الخلق ولأي غاية وهدف كيف اقتصروا على جميل معانيها العميقة 《 نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ وَلَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ 》 هي الغربة التي صاروا يستشعرونها وتكوي جباه أرواحهم الغير مطيقة لهذه الدنيا مع وافر زخرفها، خاصة لمن بدأت رحلتهم تستقذر مع من لم يعد الكلام معهم نافعا ولا النصح مؤثرا ولا أمل في الرجوع إلى جادة الشريعة وخوف الله سبحانه وتعالى.
"البصيرة هي ان لا تصبح سهمًا بيد قاتل الحسين يُسَدَّد على دولة الفقيه"
مقال آخر دمتم بنصر ..