حمزة مصطفى ||
من الأفلام المصرية تعلمنا "الإحم والدستور". لا أعرف معنى الأحم لكن المعنى المتداول للدستور هوالنظام العام المكتوب والذي يحتاج الى قوانين لتطبيقه. بعض الشعوب لاتحتاج الى دستور لأن النظام العام أي مجموعة الأعراف المجمتمعية التي تراكمت عبر العصور أصبحت لها قوة القانون مثل بريطانيا. ففي بريطانيا العرف أو الدستور غير المكتوب هو الذي ينظم حياة الناس. لا تستطيع الملكة الخروج على هذا العرف غير المكتوب ولا رئيس الوزراء الذي يمكن أن يطرد بـ "ليلة ظلمة" لأنه أقام حفلة في مقر رئاسة الوزراء خلال فترة الحجر أيام كورونا. العرف وإن كان غير مكتوب "ماعنده يمه إرحميني". أما القانون لابد أن يكون مكتوبا لأنه ينظم شؤون الحياة المختلفة بدء من إشارة المرور الى شراء أو إستئجار منزل أو إستخراج إجازة سوق أو بطاقة فيزا كارد.
وحيث أن العراق تاريخيا هو من بين أقدم الشعوب والبلدان التي عرفت الحياة المدنية وكانت لها قوانين وأنظمة إدارية في كل شئ بدء من أنظمة الري الى شؤون الحكم والسلطة, فإنه يفترض أن يكون "فريضة" في هذا المجال. يكفي أن أول قانون تولى تنظيم الحياة في بلاد الرافدين كان قانون حمورابي.
إذا تخطينا عصور ماقبل التاريخ, فإن العراق واحد من أقدم بلدان المنطقة على صعيد بناء الدولة الحديثة. فهو بلد مؤسس لكل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والجامعة العربية فضلا عن العديد من الأحلاف والتجمعات وسواها. ومع أن العراق من بين البلدان التي تفتخر بوجود منظومة قانونية متكاملة على مختلف الصعد فإن المشكلة التي واجهها ولايزال هي الدستور. فبسبب إختلاف الأنظمة (ملكية وجمهورية) على مدى أكثر من ثمانية عقود لم تستقر منظومته الدستورية. الدستور الدائم الوحيد هو الحالي الذي تم التصويت عليه عام 2005. لكن هذا الدستور ولأسباب تتعلق بطريقة بناء الدولة من قبل القوى التي تسلمت الحكم من الأميركان عام 2003 بعد سقوط النظام السابق إفتقرت الى الثقافة الدستورية ولم تستعين بذوي الشأن في هذا المجال. والدليل على ذلك أن عيوب الدستور بدأت تظهر منذ أولى سنوات تطبيقه. واليوم وبعد 19 عاما من التغيير بدأنا نواجه شتى أنواع الإنسدادات السياسية بسبب الدستور. ولعل آخر عقبة كأداء واجهناها هي كيفية حل البرلمان بعد إخفاقه على مدى 9 شهور في إكمال الإستحقاقات الدستورية. فالدستور لم يعالج مسالة تخطي المدد الدستورية اللازمة لقيام البرلمان المنتخب بواجباته. ولأن أهم جزء مما نعيشه اليوم هو سياسي متمثلا بنوع من صراع الإرادات فعند البحث عن حل وجدنا الطريق مسدود حتى بإفتراض جلوس المتخاصمين على مائدة حوار. فالدستور وفي ظل هذا الإنسداد بات عاجزا عن توفير حل لما نعانيه. ولأن تخطي المدد اللازمة لتشكيل الحكومة بعد الإنتخابات لم يعالجها الدستور ولم يفرض عليها إجراءات عقابية فإننا ندور الآن في حلقة مفرغة بين طرفين يعلنان إيمانهما بالدستور ويريدان الحل من خلاله. لكن الدستور من جهته لايوفر حلا لأنه عند كتابته لم يأخذ بعين الإعتبار إحتمالات من هذا النوع, أو سكت في الأقل ومثلما قال القاضي فائق زيدان عن فرض عقوبات في حال تم مخالفة المدد الدستورية. وإنطلاقا من ذلك فإن الدستور الذي كان هو الملاذ في إيحاد حلول للأزمات أصبح هو محورالنزاع والصراع بل والإحتدام. ولو عدنا الى الدستور البريطاني غير المكتوب (العرف) نجد أن الفرق بين عرفنا وعرفهم أن عرفهم يشتغل لما بعد الدولة, في حين أن عرفنا هو مجموعة "سواني" ترهم لمرحلة ماقبل الدولة. وبين هذين العرفين حيث الفرق شاسع فإن دستورنا لكي لانظلمه كليا يلبي جزء ويسكت عن أجزاء. وفي هذه الحالة نجد أنفسنا مضطرين أن نمد "رجلينا على كد" مايتيحه دستورنا من حلول أحيانا تحتاج الى حلول.