المقالات

النصيحة في منهجة التنمية البشرية للامام الحسن العسكري


الشيخ محمد الربيعي ||

 

      النّصيحة في السّرّ

ونحن اليوم في ذكرى استشهاد الامام الحسن العسكري ( ع ) ، سوف نتوقّف بما يتّسع له المقام، عند أحد توجيهاته، فيروى أنه (ع) قال: “من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه”.

ولقد أراد الإمام(ع) من خلال توجيهه هذا، أن ينبِّه إلى الواجب الملقى على عاتق المؤمنين تجاه بعضهم بعضاً، وهو واجب النّصيحة.

فكلّ مؤمن معنيّ بأن ينصح أخاه المؤمن؛ بأن يبصّره عيوبه ونقائصه، وأن يدلّه على ما فيه الخير له، وهو اعتبرها حقّاً من حقوقه.

لقد ورد في الحديث: “يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب”..”المؤمن أخو المؤمن؛ عينه ودليله ومرآته”.. وفي الحديث: “إنّ أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة، أمشاهم في أرضه بالنّصيحة لخلقه”.

والنصيحة قد تتعلّق بالجانب الديني أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو العائلي، أو في أمر الزّواج والطلاق والعمل، لكنّ الإمام(ع) لم يكتف بالدعوة إلى النصيحة والحثّ عليها، بل دعا إلى ضرورة انتقاء الأسلوب الذي يقدِّم به المؤمن النَّصيحة، منعاً لردود الفعل التي قد تحصل جراءها، فالنّاس غالباً ما لا يحبّون أن يطّلع أحد على عيوبهم أو أن يحدّثهم بها، لأنهم يرون النصيحة إساءةً إليهم وإبرازاً لعيوبهم.

ولذلك، دعا الإمام(ع) إلى أن تكون النصيحة سراً، وبعيدة من أعين الناس أو أسماعهم، فمن أراد أن يبيّن لأحد أخطاءه، أو أن يصحّح له مساره، أو يوضح ما فيه مصلحة له، فلا بدَّ من أن يذهب إليه ويتحدَّث معه بشكل شخصيّ مباشر، فلا يجعل، كما نرى في واقعنا، الانتقاد والنصيحة على صفحات مواقع التّواصل، أو عبر وسائل الإعلام، أو أمام جمع من الأصدقاء أو الأقارب أو إلى ما هنالك.

وهذه المقاربة تحسّن من إمكان نجاحها، وتدلّ على إخلاص النّاصح، وتبتعد عن شبهة التفضّل على من يراد نصحه.

وهذا ما كان يحرص عليه رسول الله(ص)، فكان إذا رأى في شخص أو في جماعة انحرافاً، لا يسمّيهم بأسمائهم، بل يقول: “ما بال أقوام قد فعلوا؟”، فكان من أساء يعرف إساءته”، من دون أن يعرّض به أمام الناس.

من هنا كان لزاما على الامة التي تريد ان تعيش الرقي والتقدم و الاتزان بالعلاقات وبناء مجتمع تنموي متقدم ان تتقيد بهذا النوع من التعامل اتجاه مايصدر من الفرد او الاسرة او المجمع ماشابه ، اما اسلوب التشهير و التسقيط هو اساوب الهدم لا بناء و خصوصا بالجانب السياسي ..

محل الشاهد :

وأمر آخر يتعلّق بالأسلوب أيضاً، وهو أن لا يبالغ الناصح بالحديث عن السلبيّات التي يراها ممن يريد نصحه، وأن يبدأ الإنسان بالحديث عن إيجابيّاته قبل البدء بنصيحته، كأن يقول له: يا أخي، أنت، والحمد لله، عندك الكثير من المميّزات والقدرات والمواهب، ولكن قد يكون غاب عنك هذا الأمر، وأنا على ثقةٍ بأنَّك قادر على تلافي ذلك…

وأن يكون التَّعبير رقيقاً وليِّناً وبقالبٍ جميل، فالكلام القاسي أو النَّابي أو المثير للانفعال، لا يوصل إلى النَّتيجة المتوخَّاة، بل قد يؤدِّي إلى خلاف الغاية المرجوَّة، وإلى توتّر بين الناصح والمنصوح، وهو ما أشار إليه الله سبحانه عندما قال: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

وقد ورد في الحديث: “إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ”.

لقد قدَّم الإمام الحسن العسكريّ (ع) من نفسه أنموذجاً للنّاصح الرَّفيق والمحبَّب، سواء في أحاديثه وتوجيهاته، أو من خلال سلوكه وحسن تعامله وعلوّ أخلاقه، فقد استطاع أن يبلغ قلوب من كانوا أشدّ النّاس قساوةً وكراهةً له، حيث يذكر أنَّ الإمام(ع) عندما أُدخِل السجن، جاء العباسيّون إلى المشرف على السّجن، وقالوا له: “ضيِّق عليه ولا توسّع”. فقال لهم: “لقد فعلت ذلك، ولكن مَا أَصْنَعُ؟ وقد وكَّلْتُ به رَجُلَينِ مِنْ أَشَرِّ مَنْ قَدِرْتُ عَلَيْهِ، فَقَدْ صارا مِنَ العِبادَةِ والصَّلاةِ والصِّيامِ إلى أْمْرٍ عَظيمٍ”..

أيّها الأحبّة، إننا معنيّون بأن نعالج أخطاء الناس من حولنا وتصرّفاتهم أو أفكارهم أو أقوالهم، أن لا نمرّ عليها مرور الكرام، أو أن يكون دورنا في ذلك تسجيل النقاط أو إلقاء الكلام كيفما اتّفق، بل يكون دورنا دور المصلحين الذين يعظون الناس وأنفسهم ابتغاء مرضاة الله بالتي هي أحسن، لنكون كما أرادنا الله، الأمّة التي تريد الخير للآخرين حتى لو لم يطلبوه منها، التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، الأمّة التي تتواصى بالحقّ وتتواصى بالصّبر، والتي قال الله عنها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.

اللهم احفظ الاسلامة واهله

اللهم العراق وشعبه

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك