الشيخ محمد الربيعي ||
تشترك المرأة مع الرجل في الكثير من المسؤوليات والتكاليف الدينية؛ وذلك لأنهما خُلقا من نفس واحدة قال (سبحانه): " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا "، بالإضافة إلى كونهما في مرتبة واحدة من الناحية الإنسانية عنده (سبحانه)، ولذا فقد ساواهما في الأجر و الثواب، قال (تعالى) : " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "...
بيد أن السبل والطرق والكيفيات التي يسلكها كل منهما لتأدية تلك المسؤوليات قد تتباين تبعاً لاختلافهما من الناحيتين: الجسمانية و النفسانية، الأمر الذي انعكس بدوره على بعض الأحكام التكليفية .
ومن بين تلك المسؤوليات الكبيرة هي مسؤولية التمهيد للظهور المبارك. ومسؤولية التمهيد تكليف عام يشمل الجميع ذكوراً وإناثاً ولو كان بأدنى مستوياته والمتمثل بإصلاح النفس والأهل....
ايها الاحبة : حرص الإسلام على مشاركة المرأة الرجل في الحياة العامة, وان يكون لها دور واضح فيها من خلال توليها المناصب القيادية, فقد تحدث القرآن الكريم عن بعض مناهج الأنبياء والمرسلين(ص)في الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى, ومنهم النبي سليمان(ص)من خلال سورة النمل كإحدى سور القرآن الكريم, التي تناولت هذا الجانب القيادي للمرأة بشخصية ملكة سبأ, بُعده نموذج راشداً لفنون القيادة النسوية, وحسها السياسي في التعامل مع النبي سليمان(ص).
منَ المُؤكّدِ أنَّ النّصوصَ الإسلاميّةَ خاطبتِ المرأةَ والرّجلَ ولم تُفرّق بينَهما إلّا في مواردَ خاصّةٍ، فلا تختلفُ المرأةُ عنِ الرّجلِ في تحمّلِ المسؤوليّةِ، أو القيامِ بالتّكاليفِ الشّرعيّةِ، أو أداءِ وظيفةِ الأمر بالمعروفِ والنّهي عنِ المُنكر، وعليهِ فإنَّ النّصوصَ الإسلاميّةَ فتحتِ الطّريقَ أمامَ المرأةِ للقيامِ بأدوارٍ مهمّةٍ في مسيرةِ الإسلامِ الإصلاحيّةِ، وحركةُ الإمامِ المهديّ ليسَت إستثناءً عنِ المسارِ العامِّ لحركةِ الإسلامِ، بل هيَ حركةٌ شاملةٌ تستهدفُ الإصلاحَ في جميعِ مناحي الحياةِ، فمنَ الطّبيعيّ أن يكونَ للمرأةِ دورٌ محوريٌّ بوصفِها ركناً أصيلاً لإقامةِ أيّ مجتمعٍ إيمانيّ، وقَد حدّثنا القرآنُ عَن مهامَّ صعبةٍ وأدوار قياديّةٍ للمرأةِ كما هوَ حالُ مريمَ بنتِ عمران، التي واجهَت صلفَ بني إسرائيلَ وتشكيكاتِهم وعملَت على حمايةِ رسالةِ اللهِ المُتمثّلةِ في النّبيّ عيسى (عليه السّلام) فعملَت على حفظِه والدّفاعِ عنه وتحمّلت في ذلكَ ما لا يتحمّلُه الرّجالُ، وهكذا لعبَت المرأةُ بشكلٍ عامٍّ أدواراً محوريّةً في حركةِ الأنبياءِ، وقَد سجّلَ التّاريخُ الإسلاميُّ بشكلٍ خاصٍّ أدواراً محوريّةً للمرأةِ مثلَ دورِ خديجةَ بنتِ خويلد معَ رسولِ الله، وفاطمةَ الزّهراء مع الإمامِ عليّ، والسّيّدةِ زينبَ معَ الحُسينِ (عليهم السّلام) وبالتّالي لا مانعَ مِن وجودِ نساءٍ في حركةِ الإمامِ المهديّ يقُمنَ بأدوارٍ مشابهةٍ لتلكَ الأدوار.
وقد جاءَت بعضُ الأخبار بما يُؤكّدُ الدّورَ القياديَّ للمرأةِ في نهضةِ الإمامِ المهديّ (عجّ)، حيثُ نصَّت تلكَ الرّواياتُ على وجودِ أعدادٍ منَ النّساءِ ضمنَ عدّةِ الثّلاثمئةِ والثّلاثِ عشرَ الذينَ هُم قياداتُ النّهضةِ المهدويّة، فعن جابر الجعفيّ عنِ الإمامِ الباقرِ (ع) يقولُ: "ويجتمعُ لهُ بمكّةَ ثلاثمائةٌ وبضعةُ عشرَ كعدّةِ أصحابِ بدر، وفيهم خمسونَ إمرأةً مِن غيرِ ميعادٍ يجتمعونَ قزعاً كقزعِ الخريفِ فيُبايعونَه"، ومنَ المُؤكّدِ أنَّ هؤلاءِ هُم خُلّصُ أصحابِه وأنصاره، والمُعتمدُ عليهم في نهضتِه، والمُعوّلُ عليهم في إدارةِ حكومتِه.
والذي يُؤكّدُ مكانةَ هؤلاءِ ما جاءَ في حقِّهم مِن فضلٍ ومنزلةٍ، فعَن حُذيفةَ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ (ص) يقولُ: "إِذَا كَانَ عِندَ خُرُوجِ القَائِمِ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَيُّهَا النَّاسُ قُطِعَ عَنكُم مُدَّةُ الجَبَّارِينَ وَوُلِّيَ الأَمرَ خَيرُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَالحَقُوا بِمَكَّةَ فَيَخرُجُ النُّجَبَاءُ مِن مِصرَ وَالأَبدَالُ مِنَ الشَّامِ وَعَصَائِبُ العِرَاق رُهبَانٌ بِاللَّيلِ لُيُوثٌ بِالنَّهَار كَأَنَّ قُلُوبَهُم زُبَرُ الحَدِيدِ فُيَبَايِعُونَهُ بَينَ الرُّكنِ وَالمَقَام"
وهناكَ روايةٌ تشيرُ إلى الدّورِ اللوجستيّ للنّساءِ في حروبِ الإمامِ المهديّ مثلَ معالجةِ الجرحى، فعنِ المُفضّلِ إبنِ عُمر عَن الإمامِ الصّادقِ (ع) قالَ: "يكونُ معَ القائمِ (عجّ) ثلاثُ عشرةَ إمرأةٍ، قلتُ: وما يُصنعُ بهنَّ؟ قالَ: يداوينَ الجرحى ويقُمنَ على المرضى كما كانَ معَ رسولِ اللهِ (ص).
ولا يعني ذلكَ إنحصارَ دورهنَّ في هذا المجالِ، وإنّما ذكرَ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ، وهذا ما تؤكّدُه الرّواية الأخرى التي تجعلهنَّ مِن بينِ الثّلاثمئةِ والثّلاثة عشر.
وفي المُحصّلةِ حتّى لو شكّكَ البعضُ في صحّةِ هذه الرّواياتِ فإنَّ المبدأ العامَ لا يستبعدُ وجودَ أدوار مُهمّةٍ للمرأةِ في النّهضةِ المهدويّةِ، وبخاصّةٍ في المهامِّ التي لا تقومُ بها إلّا النّساء.
محل الشاهد :
نتعرض الان الى بعض النقاط التي نراها بصورة مختصرة لبعض ما يقع على المرأة من تكليف اتجاه القضية المهدوية :
▪️أولاً: أداء الأحكام التكليفية الشرعية المعروفة من عبادات ومعاملات وأخلاق والتي تكمل مع الجانب الفكري إيمان الفرد المؤمن.
▪️ثانياً : توطيد علاقتها بإمام زمانها (عجل الله فرجه) من خلال التخلق بأخلاقه والعمل على تنقية القلب والمحافظة على طهارته ليسع العاصين علاوة على المؤمنين ويدخلهم في رحمة الله (تعالى) ويجرهم إلى دينه وذلك بالرأفة والرحمة بهم والنظر إليهم نظرة الطبيب الشفيق على مريضه محاولاً اجتثاث السقم منه بلطف ورفق حتى يتعافى دونما توبيخ أو تجريح.
كما تتوطد العلاقة بصاحب الأمر والزمان (عجل الله فرجه) بكثرة التوسل به عند النوائب، والمواظبة على الدعاء لفرجه، ومعاهدته صباح كل يوم، وندبته صباح كل جمعة، والشعور بحزنه وآلامه عند مناسبات حزن أهل البيت (عليهم السلام).
▪️ثالثاً : العمل على تطوير الذات والسعي إلى النجاح بل والإبداع والتميز قدر الإمكان.
▪️رابعاً: مهمة التمهيد للظهور المبارك كأي مهمة أخرى لابد وأن تشتمل على مصاعب ومتاعب وتكتنفها بعض التحديات وتعترض سبيل من يتصدى إليها بعض العراقيل وقد يُجابه بمختلف التهم والأقاويل.
وعليه فلابد أن تكون الممهدة قوية أمام الشدائد والبلاءات والإغراءات والإغواءات مهما بلغت معاناتها، إسوة بالصديقة الكبرى السيدة الزهراء (عليها السلام) فهي رغم كسر ضلعها، وفقد جنينها، وغصب حق بعلها ، وحرق دارها، لم تترك رسالتها وآلت على نفسها أن تضحي بنفسها في سبيل نصرة إمامها لتكون بذلك أول شهيدة في سبيل الولاية.
▪️خامسا : نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتعليم الأحكام الفقهية والدروس الاخلاقية، وما يميز هذه المهمة ويجعل مجالاتها أكثر وربما المستهدفين بها أوفر هو أن لا موقعية خاصة لها، فيمكن للممهدة أن تمهد وهي في مدرستها أو في جامعتها أو في محل عملها بل ويمكنها ذلك في السوق أيضا وفي أماكن التنزه والترويح حتى.
▪️سادسا : الدفاع عن الدين والمذهب من خلال الرد على الشبهات التي ترد عليهما، فالسيدة زينب الحوراء (عليها السلام) لم تكتفِ بعفافها وإخلاصها وصدقها وإيمانها وحسب، بل تصدت للباطل عندما سمعت الطغاة يحرفون الدين، ويلقون العقيدة الفاسدة في عقول المسلمين، ويخفون حقيقتهم البشعة بقناع الحاكم الأمين
▪️سابعا :المساهمة في إعداد الممهدات وحث النساء اللائي تتوفر فيهن القدرة على التوجه بهذا الاتجاه.
فوجود ممهدة ناشطة في كل محل من المحال التي توجد فيها المرأة عامل مهم ويساهم كثيراً في بناء القاعدة المهدوية أفقياً وعمودياً إن صح التعبير.
ويتحقق البناء الأفقي في كثرة عدد المؤمنات الصالحات كما هو واضح،
وأما البناء العمودي ففي التنافس الشريف الذي يظهر بين من يتصدين للتمهيد والذي يكون عاملاً مساعداً على التكامل الأسرع والمتواصل بينهن.
وبذلك يمكن تهيئة المؤمنات الواعيات لا بالكم فقط بل وبالنوع.
▪️ثامنا : حث النساء المؤمنات وتحفيزهن على التطور والتقدم علمياً وثقافياً وعملياً، وتسلم الوظائف التي تناسب المرأة وفي مختلف التخصصات؛ لتتسلم هذه الوظائف المهمة والتي تؤثر على المجتمع بصورة مباشرة كالتعليم والتطبيب وغيرها نساءٌ مؤمنات صالحات مصلحات، ولئلا يُفسح المجال في هذه الوظائف لتملأه كل من كانت بعيدة عن الدين، فقيرة إلى الخُلق وبالتالي يؤثرن تأثيراً سلبياً على المجتمع.
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha