د.محمد العبادي ||
منذ سقوط النظام السابق توالت حكومات عديدة على مهاد الحكم في العراق ،ولكل حكومة(شرعة ومنهاجاً) وأولوياتها في العمل .
أكثر الناس في بلدنا يرون أنّ نجاح الحكومة يكمن في تلبية حاجاتهم اليومية ،وتأمين معاشاتهم،لكن الحقيقة في تحديد النجاح الحقيقي اكبر من ذلك بكثير ،وهي أن تضع الحكومة منهاجاً للعمل والتنمية عابر لحدود عمرها القصير إلى زمن الحكومات التالية .
كل البلدان التي ركبت طبقا على طبق في نموها المضطرد؛ وضعت خططاً (قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل) ،خذ مثالاً ماليزيا التي كسرت حلقة التخلف، وقفزت إلى مصاف الدول المتقدمة بفضل خططها الإنمائية- والتي استغرقت أكثر من عقدين من الزمن -،وقد صبرت ثم ظفرت.
وهكذا بالنسبة إلى تطور الدول الأخرى مثل كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة وغيرها .
إنّ طبيعة منهاج العمل الحكومي وتطبيقاته يحتاج إلى وقت وتروي وتأنّي،وهو يختلف عن طبيعة العمل الذي نؤديه في حياتنا اليومية ،وعليه لامعنى لنفاد ذخيرة الصبر عند الناس بعد خمسة أشهر ،والمطالبة بحلول سحرية وسريعة في معالجة جميع المشاكل.
انّ المسؤولية التي حمل ثقلها الوزراء سابقاً وحالياً قد رافقها آفات ومشاكل كثيرة،ونذكر منها:
١ - مشكلة تحديد هوية الحكومة وشعارها:شاهدنا وقرأنا بيان الحكومة الجديدة ومنهاجها،وكان عليها وعلى الحكومات السابقة؛ أن تحدد هويتها ؛هل هي ( حكومة بناء وإعمار) أم حكومة( الوحدة والإعتدال ) أم ( التنمية والإصلاح ) أم حكومة ( الإنفتاح) او غير ذلك وماهو شعارها في العمل .لقد كان السيد المالكي دقيقاً عندما عبر عن دولته بدولة القانون.
٢-مشكلة العشوائية : العمل بلا خطط استراتيجية ،ولا مدد زمنية وأرقام ،ومسؤوليات،
ومتابعة للإنجاز على الأرض،وغير ذلك يؤدي إلى العشوائية وعدم تحقيق نتائج عملية .
٣- مشكلة الإنفعال :لقد رافق الإنفعال كثير من قيادات العمل العام في بدايات تصديهم وأنطلقوا بقوة في مسؤولياتهم، ثم بعد برهة ركنوا إلى السكون والكسل.
٤-مشكلة عدم الإلتزام بالحضور: المسؤول الأول ينبغي أن يكون قدوة لغيره في الإلتزام بالحضور في مقر عمله أثناء الدوام الرسمي ،ومع شديد الأسف (أغلب) القيادات الإدارية غير ملتزمة بالحضور اثناء الدوام الرسمي ،وربما تعبر التواقيع التي يقوم بها الوكيل عن الأصيل أو مَن ينوب عنه كظاهرة في العمل الإداري في العراق،وتشير إلى عدم حضورهم.
وبعض الدوائر المهمة يتسرب منها الموظفون قبل ساعة من موعد إنتهاء الدوام ،وربما تم التخلص من هذا التسيب اخيراً من خلال نظام الحضور الإلكتروني حيث يتم تسجيل الحضور والانصراف أو الخروج المؤقت من خلال ( سيرفر مركزي) او جهاز لوحي وما إلى ذلك!!!.
٥- مشكلة قلة الزيارات الميدانية :واحدة من نقاط الضعف في الحكومات السابقة هي قلّة زياراتهم الميدانية أو حضورهم بين الناس،وليس هذا فحسب؛ بل مضافاً إلى ذلك لم يستفد من رؤى الناس المختلفة وتحفيزهم نحو المشاركة في المجالات المختلفة.
٦- مشكلة سياسة المسكنات:اظن أنّ الحكومات السابقة نهجت سياسة التسكين وتهدئة الخواطر ،فمثلاً نجد حكومة مصطفى الكاظمي لم تقم ببناء مشاريع أو بناء مجمعات للحرف والمهن لإستيعاب الشباب العاطلين عن العمل ،بل عملت على التوظيف المحدود جداً ،لتهدئة الشارع المشحون بالغضب .
٧- مشكلة عدم إحترام الوقت:بتصوري ان الحكومة الجيدة هي التي تحترم الوقت،وتقوم بإدارته في صناعة الإمكانيات والفرص ،ولا مجال لإستهلاك الوقت في الدعايات الفارغة مثلما رأينا في زمن السيد مصطفى الكاظمي الذي كان ولايزال بلده يعيش في ظروف استثنائية ويجلس مع وزراء حكومته ويصرف وقته في الإستماع إلى إطرائهم له، ثم يتملق عواطفه أحدهم ويصفه بالمبخوت ،أو مكالمته الهاتفية مع أخيه عماد .
إنّ الحكومة القوية عليها أن تكون جدية وتتسابق مع الزمن وتقدر قيمته .
٨-مشكلة عدم تنفيذ الوعود المتعددة: إنّ إعطاء الوعود والتخلف عن تنفيذها ينقص من مصداقية المسؤول ،وهو ما ينسحب على مصداقية الحكومة أيضاً.
كثير من المسؤولين وخاصة في بداية ممارسة عمله وتحت وطأة الحماس والإندفاع يعطي وعوداً من غير تقدير وتصور كامل للموضوع ؛كما هو على سبيل المثال لموضوع حل مشكلة الكهرباء والتي لازالت قائمة إلى يومنا هذا .
٩-مشكلة عدم توفر الكفاءة والخبرة: لايملك كثير من القيادات العليا خبرة أو خلفية إدارية أو سياسية ،وربما إكتسب موقعه في مسؤوليته الكبيرة من جهته السياسية التي ينتمي إليها أو من ظهوره الإعلامي .
إنّ عدم توفر الأهلية والكفاءة اللازمة يسببان مشاكل في العمل، وقد يؤدي ذلك إلى تهيئة الأرضية الخصبة لظهور الفساد الإداري والمالي .
١٠- مشكلة إنعدام روح التعاون : لقد شاهدنا سابقاً أن بعض الوزراء لمز زميله في الوزارة الأخرى أو المسؤول في المؤسسة الفلانية وهذا يؤشر على وجود خلافات وهو ما ينعكس سلباً على أجواء العمل .
١١ - مشكلة اللجوء إلى الإعلام عند ظهور الفساد : إنّ المسؤولين من المفترض أن يسلكوا سبلاً قانونية في معالجة المشاكل أو الفساد ،لكن رأينا بعضهم يلجأ إلى الإعلام في مشكلة معينة لم تحسم بعد ،وهو ما يؤثر سلباً على المجتمع .
وهذه المشكلة شائعة عند بعض البرلمانيين أكثر منها عند الحكوميين .
١٢-إفتعال الأزمات والمشاكل الأمنية :لقد واجهت أكثر الحكومات منذ بداية العقد الثاني مشكلات عديدة أثناء تظاهرات الناس ،وتم تحريف مطالبهم من قبل المتربصين والمنتفعين،وعليه لا أستبعد ظهور التظاهرات، أو لجوء بعض المتربصين إلى عمليات الإغتيالات والتفجيرات خدمة للأجندة الخارجية.
بتصوري المتواضع ان هذه المشاكل والآفات ستصادف الخط البياني لمسير الحكومة الجديدة،وهي بحاجة إلى دراسة ومناقشة من أجل الخروج بتدابير وقائية،وقرارات إستباقية ( وإذا شئنا استطعنا).
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha