الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي ||
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة...)).
المراهقة واحدة من أكثر المراحل العُمُريَّة حضوراً في حياة الانسان؛ إذ يتهيأ فيه الصغير لاستقبال مرحلة إثبات الهوية والذات وفرض الوجود والارادة, ويعيش عالم التصوُّرات التي لا يمكنه أنْ يقدِّرها بصورة صحيحة فهو يتصوَّر نفسه كبيراً بتكامل أجهزته البدنيَّة والتغيُّرات التي تطرأ على بنائه الجسمي والغرزي ولا يلتفت إلى حداثة تكوينه الفسلجي والعقلي؛ لذلك يكثُر من قراراته الخاطئة التي ترافقه مدى حياته وتؤثر عليه بشكلٍ متواصل وقد لا يتركه إلا بإيصاله إلى حدَّ التهلكة؛ ليكون عبئاً ثقيلا على الأسرة والمجتمع.
والمعروف أنَّ الانسان يتكامل بمرور أيامه وسنواته, فكلما امتدَّ عُمره زاد حكمة ودراية, وسهُل عليه التكليف, وكان أكثر قبولا في عيون المجتمع, وهذا الأمر يتعلق بجميع البشر ما خلا المعصومين الذين انتجبهم الله تعالى لإداء التكليف الرسالي في المجتمع؛ إذ كانوا يعيشون الكمال وعدم النقص في مختلف مراحلهم وعوالمهم ولم تكن الأيام أو السنوات مؤثرة على أدائهم وحملهم للرسالة؛ لذلك فقد بعث الله بعض أنبيائه وهو ابن ساعات أو أيام كما في بعث عيسى ويحيى (عليهما السلام), أو كما في تكليف بعض الأولياء المعصومين من أئمة الهدى كالإمام الجواد (عليه السلام) والامام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه).
أمَّا عامَّة الناس فسجلاتهم الشبابية في مرحلة المراهقة مليئة بالبوائق والمعاصي والتهورات التي أقدم المراهق عليها حينما ابتعد عن الثوابت والمبادئ؛ بل حينما قصَّر الآباء والامهات في توجيههم إلى المناهج الصحيحة بالاعتماد على القرآن الذي إذا لازمه الصغير وداوم قراءته وحفظه كفاه شرَّ الاشرار ومسالك التيه والضلال ولاسيَّما حينما نقف على تعاليمه الأصيلة التي نُقلت عن المعصومين (عليهم السلام)؛ إذ كانوا يؤكِّدون ملازمة القرآن ومحاولة السبق في الاهتمام بتعاليمه, قال أمير البلاغة والفصاحة عليه السلام: ((الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم)), فأمير المؤمنين (عليه السلام) يؤكد علينا أنْ نجعل ميدان المنافسة في خدمة كتا
ب الله تعالى, فهذا الكتاب من شأنه المحافظة علينا في مختلف مراحلنا العُمُريَّة فهو الرائد الذي لا يكذب.
إنَّ النضوج الذي يطمح إليه المراهق مفضوحٌ بتلك السلُوكيات التي تشوبها النقص, فتجده أكثر حركة في البيت والمجتمع, وعُرضة للانحراف والوقوع في مصائد الأشرار الذين يتربصون بشبابنا وقد استغلوا غير قليل منهم في الهفوات الاجتماعية, فانقلب الأمر علينا, وكان من الممكن استثمار قُدُرات شبابنا في البناء الثقافي والعقائدي والقرآني؛ ولكن حينما ابتعدنا كآباء واعين وأمهات ناضجات عنهم أصبحوا في أيادي غير أمينة فانقلبوا على أعقابهم وعن فطرتهم السليمة؛ ليكونوا من أدوات الشرِّ, وانقلب معهم واقعنا الأسري الذي كان متماسكاً صلباً فصار هشَّا ضعيفاً كضعف بيت العنكبوت؛ إذ فقد الآباء قدرتهم على استيعاب أبنائهم وفقد الأبناء مكانة الآباء في قلوبهم, وهذا هو السقوط الذي لا قاع له.
والبداية التي ينبغي أنْ نستعد لمواجهتها؛ لأنَّ القادم في ظل هذا الضياع الشبابي لا يكون أقلَّ خطراً من السابق؛ بل سنواجه معركة الثقافة المزدوجة, فالمؤسسات الدولية التي وظفت جهودها لهدم البناء الاسلامي تعمل ليلاً ونهاراً من أجل سرقة أبنائنا وقد نجحوا في الوصول إلينا؛ فعلينا أن نتسلح ونسلح أبناءنا بالإسلام الصحيح لنتمكن من المقاومة والردِّ, وليس من الحكمة محاولة منع وصلولهم لأنهم وصلوا؛ بل الحكمة أنْ نقف شامخين ملتزمين بثقافة ديننا ووحي كتابنا؛ لنكون نحن من يؤثر فيهم ويكون المراهق من أبنائنا عنوان قدراتنا وثمرة سعينا فلإسلام دين يواكب الحضارة ولا يتقاطع من التطور الايجابي؛ بل يزيده رونقاً ونوراً بالقرآن والعترة.
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha