المقالات

الاصل العراقي للديمقراطية


محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

يغيب عن بعض الاذهان الى وقت متأخر جدا، ان الديمقراطية اختراع عراقي قديم يضاف الى قائمة المخترعات الاولى المنسوبة عن حق الى الحضارة السومرية أولى الحضارات البشرية بعد الطوفان الذي حصل في العراق في عهد النبي نوح عليه السلام.

ولعل الباحث الاميركي ثوركيلد جاكوبسون، وفي حدود اطلاعي المتواضع، هو اول من اشار الى الجذور العراقية للديمقراطية، ما ينفي نسبتها الشائعة في الكتب المدرسية الى اثينا. وهذا ما يستحق ان نفخر به كون بلدنا مهد الحضارة الانسانية في مختلف جوانبها.

فقد نشر جاكوبسون بحثا قيما في العدد ٣ المجلد ١١ من مجلة دراسات الشرق الادنى الصادر في ١٩٤٣، اي قبل ٧٦ سنة، حول ما سماه "الديمقراطية البدائية في وادي الرافدين". ولنا ان نتحفظ كثيرا على المصطلح، فقد كان الاجدر فيه ان يكون بدايات الديمقراطية في العراق. والفرق كبير بين مصطلحي "الديمقراطية البدائية" و "بدايات الديمقراطية" حيث لا نعرف بداية للديمقراطية في العالم غير ما نعرفه عنها في العراق.

يقول جاكوبسون: توجد مؤشرات توضح ان العراق القديم في عصر ما قبل التاريخ كان منظما من الناحية السياسية وفقا للقواعد الديمقراطية، على عكس ما ال اليه الحال في المراحل التالية حيث كان الحكم فيها اوتوقراطيا.

وذكر ان الادلة الموجودة توضح ان الشؤون العامة كانت تدار من قبل مجلس الكبار لكن السيادة العليا كانت تتمثل في مجلس عام مؤلف من الذكور البالغين الاحرار. يقوم هذا المجلس بحل النزاعات التي تحصل في المجتمع، ويتخذ القرارات في الامور المهمة مثل الحرب والسلام، وكان بمقدوره اذا تطلب الامر ان يفوض احد اعضائه السلطة العليا.

وفي عام ٢٠٠٩ نشر الباحث جون كين كتابه الضخم "حياة وموت الديمقراطية" الذي استغرق تأليفه عشر سنوات من البحث والتنقيب حتى توصل الى ان الديمقراطية مرت بثلاث مراحل هي:

مرحلة الديمقراطية المجلسية التي وُلدت في العراق القديم. ومرحلة الديمقراطية التمثيلية التي ولدت في اسبانيا اثناء ما يسمى بحرب الاسترداد بين العرب المسلمين والإسبان المسيحيين. والديمقراطية الرقابية التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية.

يرد جون كين دعوى اليونانيين من ان الإغريق هم الذين اخترعوا الديمقراطية،  وان كلمة  dmokratia هي كلمة إغريقية الأصل. بل يقول ان اصل هذا المصطلح وأين استخدم للمرة الاولى مازال غامضا لكنه يؤكد في نفس الوقت ان المصطلح ليس اختراعا إغريقيا. ويقول انه بالامكان تتبع جذور الكلمة الى عصور سبقت تعود الى نصوص ما يعرف ب Linear B التي كانت مستخدمة في الحضارة الميسينية، قبل سبعة الى عشرة قرون، الى حضارة العصر البرونزي المتأخرة (١٥٠٠-١٢٠٠) قبل الميلاد. وليس من الواضح متى بدأ الميسينيون بدأوا باستخدام كلمة (dmos) التي تعني الناس، ولا كلمة (damokoi) التي تعني الموظف الذي يعمل بالنيابة عن الناس.وليس من الواضح ايضا فيما اذا كانت هاتان الكلمتان تعودان  الى الكلمة السومرية dumu التي تعني السكان او الابناء او الأطفال.

 ويزداد الامر غموضا مع الاكتشافات الحديثة التي تؤكد ان ظاهرة الممارسة الديمقراطية للحكم عن طريق المجالس هي الاخرى ليست ابتكارا يونانيا. فقد عرفت هذه الممارسة في المناطق التي تشمل العراق وسوريا وإيران، ثم انتقلت الى الهند بعد عام ١٥٠٠ ق م ، ثم انتقلت الى المدن الفينيقية في ببلوس وصيدا، قبل ان تظهر في اثينا في القرن الخامس قبل الميلاد. وانا اتفق مع ملاحظة جون كين  من ان هذه التطورات تؤكد ان البشر قادرون على ابتكار مؤسسات مصممة خصيصا لتمكينهم من اتخاذ القرارات لأنفسهم وبأنفسهم، اذا لولا هذه القدرة المودعة في الانسان لما استخلفه الله في الارض، ولما قبل حمل الإمانة حينما عرضها الله على السماوات والأرض والانسان، فقبلها الانسان، وحده.

ومع ابتكار السومريين لنظام الحكم عن طريق المجالس الشعبية  حوالي سنة ٢٥٠٠ ق م بدأت الحقبة الاولى للديمقراطية والتي انتشرت في المنطقة المسماة اليوم بالشرق الأوسط التي يقع العراق في قلبها وامتدت لاحقا لتشمل اثينا وروما في القرن الخامس قبل الميلاد لتعني "الحكم الشرعي للمجلس المؤلف من المواطنين الذكور" دون ان تشمل النساء والعبيد و "الأجانب" الذين كانوا يؤلفون الأغلبية من سكان اثينا٠

وشهدت هذه الفترة ابتكارات سوف تعتبر فيما بعد عناصر حيوية للديمقراطية. ويسجل جون كين ان العديد من هذه الابتكارات حدثت في العالم الاسلامي، مثل الوقف، فيما علماء الاسلام اللغة القديمة للديمقراطية  وأكد على الفضائل المشتركة مثل التسامح والاحترام المتبادل والتعامل مع الطبيعة بشغف. وفات كين ان يذكر ان العمود الفقري لكل ذلك هو اعلان الاسلام ان الانسان هو خليفة الله في الارض، اضافة الى تأكيده على مفهوم الشورى الذي ربما كان امتدادا لفكرة المجالس الشعبية الحاكمة في دول المدن السومرية.

ولا غرو في ذلك حيث ان الكتابات السومرية تعلن ان "الملوكية هبطت من السماء" ما يكشف عن اعتقاد بان هذا النظام من الحكم ذو مصدر سماوي (=الهي).

 

* من بحث لي غير منشور عن الديمقراطية

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك