الشيخ محمد الربيعي ||
تنطلق النظرة السائدة عن المهر، لدى الكثير من الناس من فكرة خاطئة متخلِّفة ترى أنّ المهر يمثّل ثمناً للمرأة، باعتبار أنّ الرجل يملك المرأة في مقابل ما يدفعه من مال.
وعلى هذا الأساس، نجد بعض النساء يُعلنَّ عن مهرهنَّ بالطريقة الشعبية: إنّه "حقّي عتيقة رقبتي"، وكأنّ المهر يمثّل نوعاً من أنواع التملُّك. كما أنّ اعتبار ارتفاع قيمة المهر نوعاً من أنواع تأكيد القيمة الاجتماعية للمرأة يشبه رفع قيمة السلعة كتأكيد على قيمتها التجارية.
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن المهر بوصفه نحلةً، فقال: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً..} [النساء : 4].
والنحلة هي العطيّة من دون مقابل.
هي هبة، هي رمز المحبّة، وليست ثمناً. ولهذا نجد بعض الفقهاء يقولون: إنّ التعبير في عقد الزواج يمكن أن يكون: زوّجتك فلانة على مهر لا بمهر، لأنّ الباء تعطي معنى العوضية. والمهر لا يشكّل عنصر عوضيّة في هذا المجال، بل هو مجرّد شرط ضمن العقد. ولهذا يجمع الفقهاء على أنّ المهر إذا كان باطلاً لبعض الاعتبارات، فإنّ العقد يكون صحيحاً.
ويرجع إلى مهر المثل في هذا المجال؛ الأمر الذي يدلّ على أنّ مسألة المهر ليست مسألة تتّصل بجسم العقد الزوجيّ، وإنّما هي من شروطه وتوابعه ولواحقه. إنّنا نتصوّر أنّ المرأة التي تحترم نفسها هي التي لا تسمح بالحديث الطويل حول حجم المهر وقيمته.
وقد ورد في الحديث الشريف: "شؤم المرأة غلاء مهرها"، باعتبار أنّ غلاء المهر قد يعقّد زواجها. وهناك كثيرٌ من النساء لا يتزوّجن بسبب أنّ أهلهن الذين يعيشون في مجتمع يرفع من قيمة المهر يغالون في هذه القيمة؛ الأمر الذي يبعد طالبي الزواج عن الاستمرار في ذلك.
وقد قرأت، في أخبار بعض الشعوب، التي تعارفت على أساس أنّ الأهل يعطون "الدوطة" للرّجل، وهو المهر الذي تدفعه العروس الى عروسها في الهند وسواها أنّ هؤلاء يعملون على تأخير زواج بناتهم، لأنّ ذلك يكلّفهم جهداً كبيراً؛ الأمر الذي يجعل المهر عند الطرفين سواء أكان يأخذه الرجل، كما الدوطة مثلاً أم تأخذه المرأة، مجرّد رمز لا يمثّل قيمة، كما أنّه يمثّل عنصر تثبيت للحياة الزوجية، كما يعتقد بعض الناس.
إنّنا نعتقد أنّ الرجل الذي لا يملك خوفاً من الله، ولا يملك أخلاقاً، يمكن له أن يُكره الزوجة، ولو باختيارها، على طلب الطلاق والتنازل عن المهر، بأن يخلق لها أوضاعاً وظروفاً وأجواء نفسية تجعلها تبذل أكثر منه، بل ربّما نجد أن بعض المتديِّنين يعملون على الاقتصار في هذا المجال، على ما هو واجب عليهم في الإنفاق أو في المعاشرة.
إنّ الذي يحفظ الحياة الزوجية هو المودّة والرحمة والمسؤولية المشتركة بين الطرفين والأخلاق الإسلامية. إنّ على المرأة أن تبحث في الزّوج عن دينه، وأخلاقه، واحترامه للمرأة والحياة الزوجية. فإذا كان فقيراً فعليها أن تساعده وأن تدفع له، وعلى أهلها أن يراعوه كما يراعون ابنتهم وأولادهم. لهذا نعتبر المفهوم الذي يقدر المرأة بزواجها أو يعتبره عنصراً ضاغطاً على الرجل، هو مفهومٌ غير إسلاميّ، ومفهومٌ غير إنسانيّ ومفهومٌ لا ينسجم مع احترام المرأة.
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و اهله
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha