المقالات

طشار العمر.. المطر يغسل عيون التراب

1303 2023-01-16

احمد لعيبي ||

 

كان البرد قاسيآ في كانون

من ثمانينات القرن الماضي

والمطر يغسل عيون التراب ليجعلها طينآ

في قريتنا البعيدة جدا عن العيون ..

كانت الحرب آنذاك ساخنة جدا لأن

احبتنا كانوا حطبها..

كانت جدتي سكينة هي رجلنا الوحيد

في دارنا الطينية المتهالكه من كل مكان

رغم ذلك كان المطر يخجل من جدتي

ومن شيبة جدي الذي يغيب عنا في عمله

فلم يتجرأ المطر على دخول سقفنا أبدآ..!!

 

كل شيء في وقتها كان يستحي من جدتي

تنور الطين والمطر وباب الدار المخلوع

وبقراتنا الاربع ودجاجاتنا العشرون  وكلبتنا السوداء وكيس الطحين

الذي لا يريد ان ينقص مهما خبزت منه جدتي..!!

 

في أحد الصباحات وضعت جدتي العجين

فوق دكة تنورها الطيني وكانت السماء تمطر

والنار تلتهم حطبها و تلفح وجههاالجنوبي ..

كانت العجينة تلتصق بتنور الطين التصاق

 شامة بخد حسناء عفيفة ..

وتعالى مع صوت كف جدتي وهي تضرب

العجينة لتجعلها رغيفا صوت صراخ ..

يبووووووووه...يبووووووووه..يبووووووه

خرجت جدتي مسرعة من باب دارنا المخلوع

وركضت ورائها بإتجاه صوت الصراخ المتعالي

الذي سرعان ما تحول الى كورال نسوي يتلو

ترنيمة الفاقدين ...

لقد كانت سيارة كراون تحمل جنازة ملفوفة ببطانية عراقية عسكرية بلون الخاكي تسأل عن عائلة فضولي...

وفضولي هو شاب في قريتنا أخ لسبع فتيات

والده كفيف وامه أمرأة كل شيء فيها رجولي

لكنها لا تملك شاربآ في وجهها...

كانت السيارة تسير من بيت الى بيت تبحث

عن بيت فضولي و كانت كل امرأة تسير

خلف السيارة كأنها هي ام فضولي ..

أتذكر ان جدتي وقفت امام السيارة وقالت

للسائق بلسان شروكي فصيح(خاله بداعت العباس

عليك لا تكول لأم فضولي إبنك مات )..!

 

أمام الجنازة وقفت ام فضولي بكبرياء الانبياء

وهيبة الاولياء هي متوزرة بعباءة سوداء قد مسَ

عباءتها الطين والحزن والفقد  ..!!

 

لم تصرخ ...

نعم لم تصرخ ..

قالت لبناتها (يمه أخيجن نايم لا تثغبن وتكعدنه)

الصراخ يعلو والمرأة واقفة مثل سيف علي

تحصد رأس الحزن بإرادة عجيبة وغريبة..

 

لقد كان وجه فضولي يبتسم رغم الدم الذي يملأ

صدره وقلبه..

 فلقد أعدم الرفاق فضولي لأنه تأخر يومين بسبب وفاة جده وبقي مع امه واخواته ثم التحق للحرب

لينفذ به حكم الاعدام ويعاد الى إهله غائبا..!!

عادت جدتي الى تنورها الطيني

وكان الخبز محترقا تماما مثل قلب ام فضولي

وقلوب اغلب العراقيين ايام عصابة البعث..!

عادت جدتي ونار تنورها لم تنطفأ

ونار قلبها متقدة حتى بعد مماتها

 

#طشار_العمر

 

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك