المقالات

مدينة الصدر .. صورتان من الامس واليوم

1509 15:37:00 2008-06-01

( بقلم : احمد عبد الرحمن )

قد لايحتاج المراقب والمتابع الى جهد كبير او وقت طويل للمقارنة بين ماكانت عليه الاوضاع في مدينة الصدر قبل ابرام الاتفاق بين التيار الصدري والائتلاف العراقي الموحد، والذي نص على انهاء المظاهر المسلحة وترسيخ سلطة الدولة وهيبة القانون والتعاون للضاء على الجماعات الخارجة عن القانون، وبين ما امست عليه بعد ابرام الاتفاق.ولعله في كلمته في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الثلاثين من شهر نيسان-ابريل الماضي، رسم رئيس الوزراء السيد نوري المالكي صورة دقيقة وواقعية عن حقيقة الواقع القائم في مدينة الصدر.

من بين ما قاله المالكي في المؤتمر الصحفي "نحن نريد ان نبني، او نهدم الاخلاقيات السابقة، نواجه بمن يصر على ادامة الاخلاقيات السابقة، ادامة اخلاقيات حزب البعث، ادامة اخلاقيات التحكم وتهميش الاخر، اخلاقيات السيطرة والتهديد وفرض الاتاوات وانشاء المحاكم، هذه كلها تتناقض مع العراق الجديد، ونحن نبني على ان نواجه هذه الجهات التي تصر على الاستمرار بعقلية الجهل وعقلية السذاجة والضعف".

و"حينما تتحول مصالح البلد الى مجالات لكسب المال تحت عنوان هيئة اقتصادية او مؤسسة اقتصادية تجبي الاموال من خلال المقاولات لايمكن ان نبني الدولة، ويهدد المواطن ويهدد الموظف في مختلف دوائر الدولة، فكل يوم نسمع عن احد المواطنين العاملين في اجهزة الدولة اما هو او عائلته تعرض الى قتل او اعدام، لايمكن ان نبني الدولة ويأتي التجار ويقولون انقذونا من الاتاوات، دوائر كاملة وكأنها دولة الى جانب الدولة، لايمكن ان نبني دولة ويأتينا اصحاب محطات الوقود ويقولون انقذونا من الذين يفرضون علينا اسعارا زائدة وضرائب اضافية".قد تكون تلك الاشارات السريعة والمقتضبة في حديث رئيس الوزراء غيض من فيض، وتعبير وانعكاس لهموم ومعاناة شرائح وفئات اجتماعية عديدة في مدينة الصدر ومناطق ومدن اخرى عانت اشد المعاناة من سطوة وهيمنة الجماعات الخارجة عن القانون.

ينقل احد المواطنين، الذي يعمل تاجرا في سوق الشورجة ان مجموعة مسلحة جاءت اليه في احد الايام الذي صادف ذكرى استشهاد احد الائمة الاطهار عليهم السلام ، وبكلمات نابية وبخه افراد المجموعة لان فتح متجره في تلك المناسبة، وطلبوا منه اغلاقه وماكان منه الا ان اذعن لهم ليسلم على حياته وحياة العاملين معه، وبعد دقائق قليلة وبينما هو يعيد بعض المواد الغذائية الى المخزن المبرد للحفاظ عليها من التلف جاءه احد افراد المجموعة وقال له الم نأمرك بأغلاق المحل، ورد عليه التاجر بأنه فعل ذلك وانه يحتاج الى دقائق لاعادة السلع الى مكانها المخصص لتجنب تلفها، فما كان من ذلك الشخص الا ان صوب سلاحه الى اجهزة تبريد المخازن ليخربها بالكامل ويغادر المكان!.

وهكذا فأن الامثلة والشواهد المماثلة او المشابهة لتلك الواقعة كثيرة جدا، ويصعب عدها واحصائها، وكان ضحاياها نساء ورجالا واطفالا، واناسا من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، وكانت تبعاتها قطع ارزاق وتخريب ممتلكات عامة وخاصة، واشاعة اجواء ومناخات الرعب والفزع والقلق في نفوس الكثير من الناس بطريقة تذكر بعهد النظام الصدامي البائد، حينما كان ازلام الامن والحزب والمخابرات والاستخبارات وفدائيي صدام يسومون الناس سوء العذاب.

ان الاربعة او الخمسة اعوام التي تلت الاطاحة بنظام صدام شهدت ظاهر ومظاهر عديدة عبرت تعبيرا دقيقا عن سلوكيات الحقبة البعثية السابقة، رغم اختلاف التسميات، وكان لمدينة الصدر حصة الاسد في ذلك، وهو ما انعكس على الواقع الحياتي والامني والسياسي العام على ابنائها، وجعل المعاناة تمتد وتتواصل بينما كان مفترضا ان تطوى صفحة المأسي والويلات بطوي صفحة نظام صدام.

ولاشك ان تلك الاعوام شهدت غيابا شبه كامل للدولة بأجهزتها الامنية والعسكرية عن تلك المدينة وحضور واضح وملموس ومؤثر في توجيه مسارات الامور للجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.وهذه التجربة ربما كانت كافية للتدليل على ان التهاون مع كل من ينتهك القوانين ويتجاوز على سلطة الدولة، ويتعدى على ارواح وممتلكات واعراض الناس ويروعهم، ويجعل حياتهم جحيما لايطاق، لم يؤدي الا الى نتائج كارثية، تفاقمت يوما بعد اخر حتى بلغ السيل الزبى ولم يعد الناس يحتملون المزيد من المعاناة، وراحت صرخات استغاثاتهم تتعالى وتصم الاذان.

واتخاذ الدولة عبر اجهزتها امنية والعسكرية ومؤسساتها السياسية والقضائية المختلفة الاجراءات الحازمة والحاسمة والجادة لوقف حالة التداعي الامني وتمادي الخارجين عن القانون، في البصرة ومدينة الصدر والموصل وقبلها الانبار وديالى والديوانية ومناطق ومحافظات اخرى، اثبت ان ذلك يمثل الخيار والحل الافضل والانجع للتعامل مع من يصر على الاحتكام الى منطق ولغة السلاح لفرض اجنداته ومطاليبه، والسير بالاتجاه المعاكس لمنطق القانون والنظام والدستور، والمشاركة الايجابية في بناء البلد ودفعه الى الامام.

صورة مدينة الصدر اليوم التي تبدو مختلفة الى حد كبير-ان لم يكن بالكامل-عن صورة الامس، تعني اشياء كثيرة وكبيرة ومهمة، لكن ينبغي القول انه ما زال هناك ما ينبغي انجازه، ولعل الخطأ الاكبر هو التوقف عند ما تم تحقيقه والاكتفاء به دون مواصلة السير الى الامام، لان هذا من شأنه ان يعيد الامور الى الوراء او يهيء الارضيات والاجواء لعودة صورة الامس القاتمة والمظلمة، وهذا ما يخشاه، وما لايتمناه ابناء مدينة الصدر الطيبين والشرفاء والمخلصين والمضحين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك