الشيخ محمد الربيعي ||
اعظم الله اجركم بمصاب الامام علي ( ع ) ....
نستعرض بعض كلمات الامام علي ( ع ) التي وجهها الى الامة و الاجيال جيلا بعد جيل ، فكلام الائمة كلام لا يحدد بزمن دون الزمن الاخر ...
محل الشاهد :
يقول ( ع ) : "ألـم أعمل فيكم بالثّقل الأكبر"
وهذه الكلمات للإمام عليّ(ع) تدلّ على عمق ما كان يشعر به من الألـم، لأنَّه بمقدار ما كان يملك من العلم والأفق الواسع بما لـم يملكه أحد بعد رسول الله(ص)، فإنَّه يشعر بالمرارة وهو يُقرن إلى هذا أو ذاك، ولذا كان يقول:"فيا لله وللشّورى! متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرتُ أقرن إلى هذه النّظائر؟!" .
إنَّه يتكلّم بألـم، وهو الَّذي أعطى كلَّ هذا العطاء وترك كلّ هذا الأثر، "ألـم أعمل فيكم بالثّقل الأكبر؟!"، وهو القرآن، فقد قدَّمت إليكم القرآن تلاوةً كما كان رسول الله(ص) يتلوه عليكم، وتفسيراً كما كان(ص) يفسِّره لكم، ولهذا كان القرآن الكتاب الصَّامت، وكنت ـ والكلام لأمير المؤمنين ـ الكتاب النّاطق، أنطق عن القرآن، فإنّي ما أحللت إلاَّ ما أحلّ القرآن، وما حرّمت إلاَّ ما حرَّم القرآن، كما قال رسول الله(ص) في آخر حياته: "يا أيُّها النَّاس... إنَّي والله ما تمسكون عليَّ بشيء، إنّي لم أحلّ إلاَّ ما أحلّ القرآن، ولم أحرِّم إلاَّ ما حرَّم القرآن".
"وأترك فيكم الثّقل الأصغر"، وهما الحسن والحسين(ع)، وقد قال رسول الله(ص): "إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين"، ويريد بهما القرآن والعترة، "وركَّزت فيكم راية الإيمان"، أي أنا الّذي رفعت راية الإيمان في مجتمعاتكم، فأعطيتكم الإيمان بكلِّ حقائقه، ولذلك عندما ارتفعت راية الإيمان، فقد ارتفعت من جهدي ومن نشاطي. "ووقفتكم على حدود الحلال والحرام"، فقد أخذتـم عني معرفة الحلال والحرام حتّى لا يختلط عليكم الحلال والحرام بالشّبهات، "وألبستكم العافية من عدلي"، فنهجت بكم نهج العدل، وأعطيتكم العافية في حقوقكم، والعافية في كلِّ علاقاتكم وأوضاعكم، عندما نشرت العدل بينكم.
وكأنَّه أراد أن يقول إنَّ العدل هو الصحَّة، وإنَّ الظّلم هو المرض.
"وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي"، وفرشت لكم فراش المعروف في كلِّ حياتكم الخاصَّة والعامَّة، فعرّفتكم المعروف الَّذي أراد الله لكم أن تعرفوه من خلال قولي فيما أوضحته لكم من حدود المعروف، ومن خلال فعلي فيما جسَّدته لكم من المعروف، في سلوكي وفي سيرتي ونشاطي، حتّى أصبحتم تنامون على فراش المعروف، من خلال هذا الفراش الثقافيّ والرّوحي الّذي يملأ كلَّ حياتكم بما يرضي الله وبما يحبّه الله.
"وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي"، فعشت بينكم مع الكبير والصَّغير على السّواء، فكنتُ كواحدٍ منكم لا أميّز نفسي عن أيِّ واحدٍ منكم بأيّ موقع، "ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنَّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد، وعفّةٍ وسداد"، فادرسوا كلّ سيرتي وأنا بينكم، كيف كانت كرائم الأخلاق تفيض من هذه النَّفس التي عاشت لله، والّتي جاهدت في سبيل الله، والّتي عرفت الله كما لـم يعرفه أحد بعد رسول الله(ص)، وأحبَّت الله ورسوله كما لـم يحبّهما أحد.
فأيّ كريمة لـم تنطلق في حياة عليّ(ع)؟
"فلا تستعملوا الرّأي فيما لا يُدرك قعره البصر، ولا تتغلغل إليه الفكر منها"، فهناك أشياء عميقة وأنتم لا تستطيعون أن تدركوا لها عمقاً، لأنَّ ما تملكون من وعيٍ ومن معرفةٍ، لا تستطيعون أن تنفذوا به إلى عمق هذه الأشياء. وقوله: "لا يدرك قعره البصر"، يشير إلى أنَّ ما لا يدرَك لا يستعمل فيه الرأي، بل يرجع في معرفته إلى أهله.
"حتّى يظنّ الظّانّ أنَّ الدُّنيا معقولة على بني أميّة". وهنا، ينتقل الإمام(ع) إلى مقطع اخر ويريد بقوله "معقولة" أي محبوسة عليهم، وأنَّهم هم الّذين يملكونها، ويملكون كلَّ الفرص فيها وكلَّ مصادرها ومواردها، "تمنحهم درّها وتوردهم صفوها"، كنايةً عمّا يحصلون عليه من الشَّهوات واللّذّات والفرص الكثيرة، "ولا يرفع عن هذه الأمَّة سوطها ولا سيفها"، فيظلّ سوطها وسيفها، أي سوط هذه الدُّنيا وسيفها، لا يُرفع عن هذه الأمَّة من خلال هؤلاء الّذين يحكمون بالسَّوط وبالسَّيف، "وكذب الظّانّ بذلك"، يعني فمن يظنّ أنَّ الأمر كذلك، فقد كذب، "بل هي مجَّة من لذيذ العيش"، والمجّة ما يتذوَّقه الإنسان ثُمَّ يقذفه من فمه، في إشارةٍ إلى أنَّ هذه اللّذّات وهذا الحكم سرعان ما يقذفه بنو أميّة كما هو حال المجّة، لأنَّ سطوتهم مجرَّد فرصة وحالة طارئة، وقد قذفت بهم الدُّنيا بعد ذلك، "يتطعمّونها برهة"، مدّةً من الزمن، "ثُمَّ يلفظونها جملة"، وقد لفظوها جملة عندما دارت الدَّوائر وانتهت بهم إلى البوار والنّسيان.
هكذا كان يخاطب الامة و يخاطب الاجيال انه خط الامام خط الالهي لم يقصر بالتكليف و كم الامة قصرت وذهبت والتجأت الى غير الحق ...
أيُّها الأحبّة، هذا هو حديث عليّ(ع)، وهو حديث الصَّفاء والنَّقاء؛ حديث الرّوح وحديث العقل حديث المسؤولية و التكليف بعيدا عن التشريف ...
علينا ان نلتزم علي ( ع ) ايضا بعشقه وعلاقته مع الله تعالى حيث كان الامام علي ( ع ) عاشق الله، عاش معه عشق الحبيب لحبيبه، وهو القائل في دعاء كميل: "فهبني يا إلهي صبرت على عذابك... فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك، أم كيف أسكن في النَّار ورجائي عفوك". وهكذا عاش عليّ(ع) الّذي ولد في الكعبة، لتكون خاتمة حياته في بيتٍ آخر من بيوت الله، وهو يقول: "بسم الله... وعلى ملَّة رسول الله، فزت وربِّ الكعبة".
هذا هو درس عليّ(ع)، أن تظلَّ حركتنا "بسم الله"، وأن يظلَّ طريقنا "على ملّة رسول الله"، وأن نشعر بأنَّ الفوز، كلّ الفوز، هو بالالتزام بطاعة الله وبتعاليمه، وبطاعة رسوله(ص)، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ـــــــ
https://telegram.me/buratha