محمد صادق الهاشمي ||
ودور الاعلام في ترسيخ نتائج الواقع السياسي والحشد الشعبي كهوية وطنية
ونحن على ابواب التجربة الانتخابية الرابعة في العراق لابد ان نشير الى دور الاعلام ومراكز التنمية البشرية ومراكز الدراسات ودورها في خلق الثقافة السياسية للشعب العراقي واهمية هذه الثقافة في صناعة المستقبل السياسي في العراق والتركيز على على النقاط الايجابية في سلوك الامة وثقافتها السياسية والاساسية وهنا نشير الى مايلي :
اولا - الشعب العراقي والاسلام
الشعب العراقي الان مع شديد محنته وعميق المه وهو امر متسالم عليه فانّ هذا لايعني أنَّ الشعب العراقي بلا ثقافة سياسة عامّة ومرتكزات سياسية مشتركة، فإنّه ـ لو جردناه من الايديولوجيات والمؤثّرات الخاصة الأثنية والقومية والطائفية ـ ونظرنا إليه بعين فاحصة من خلال التعرف على مواقفه العملية تاريخياً، ومن خلال مواقفه بعد عام 2003م خلال تجربته السياسية الراهنة وما عصف به من محن، يندر أنْ حصلت في تاريخ الشعوب عموماً والشعب العراقي خصوصاً إذ استحضرت كل مفردات القاموس اللا إنساني من ذبح وقتل وتفرقة وموت واستباحة دموية ابتغاء تحطيم البناء النفسي السايكولوجي، مع كل ذلك وجدنا أنّه لم يتخلَ عن ثوابت ثقافته السياسية الراسخة في تكوينه النفسي التي جسدها ـ عندما سنحت الفرصة ـ لإبراز هذه الخصائص الثقافية نظرياً وعملياً وفي كل االميادين . من هنا نتمكن أنْ نتلمس أبرز المشتركات الثقافية السياسية لعموم الجمهور العراقي وهي : ارتكاز الثقافة الإسلامية لدى الجمهور العراقي المسلم، إذ تعذر على كل القوى العلمانية والليبرالية وكل الأجندات سلب هذا المرتكز من عقلية وسلوك الجمهور العراقي ومن ثقافته العقائدية والاجتماعية والسياسية، لن ندَّعِيَ هنا أنَّ الجمهور العراقي أقام نظاماً اسلامياً انطلاقاً من ثقافته الإسلامية واستطاع أنْ يحكّم الإسلام السياسي، ولكن نستطيع القول: إنَّ المعتقد الإسلامي ظلَّ راسخاً في سلوك الجمهور العراقي (المسلم) وكان مانعاً من قيام أنظمة ودساتير تشرّع ما يخالف ثوابته الإسلامية، وهذه حقيقة يتساوى فيها كل المسلمين في العراق, فضلا عن السلوك العام المحافظ في الامة العراقية يكفي ان العراق من الجنوب الى الفرات الاوسط واغلب مدن بغداد ترتدي النساء فيها حتى طالبات المدارس والموظفات الحجاب .
ثانيا : الشعب العراقي يومن بالمرجعية
أيضاً ارتكزت في ثقافة الشعب العراقي الاجتماعية والسياسية منها النظرة المثالية العالية للمرجعيات الدينية عموماً والشيعية بنحو خاص، فلطالما عبَّر المكوّن السني والكردي فضلاً عن الشيعي وحتّى المكوّنات الأخرى المسيحية منها والصابئة في مناسبات عدة ولقاءات مختلفة عن كامل احترامهم للمرجعية الدينية الشيعية في النجف الأشرف.ولم تكن هذه عاطفة عابرة وتقليداً خارج مسار الشعب العراقي السياسي وخارج التكوين الثقافي له، بل الجمهور العراقي يدرك ويعبر عن ادراكاته في العديد من المناسبات من أنّ النجف الأشرف لها كامل الفضل في حماية العراق اجتماعياً وسيادياً منذ مطلع العشرينيات ولحد الآن، وأنَّ المرجعية تعتبر العنصر الأول في حماية الأمن الاجتماعي السياسي في العراق، وتلك عقيدة ارتكزت في ثقافتهم السياسية ومع كل محاولات التفكيك بين الأمّة وقادتها ومحاولات الإثارات الطائفية، ومحاولات المغرضين لإظهار مراجع الشيعة بأنّهم مراجع لمكوّنٍ اسلامي محدد وليس لعموم المسلمين، ولكن الواقع غير ذلك، إذْ كلما اشتدت الفتن في العراق وجدنا بيانات الإمام الخامنئي والإمام السيستاني لها الأثر في إخماد الفتن واحلال السلام. هذه الركيزة تشكل قاسم مشترك للشعب العراقي في تعزيز الاصرة وبناء المسيرة لا في التنافر والتخاصم كما اراد الاعداء بان يقنعوا الامة ان مصدر الخطر هو الاسلام
ثالثا - الايمان بالوحدة الاجتماعية والجغرافية:
إحدى ركائز الثقافة السياسية لدى الجمهور العراقي ايمانه بوحدة العراق شعباً وتراباً، فإنَّ علماء النفس والاجتماع يرون أنْ العراق وإنْ كان شعباً متعدد القوميات والطوائف والديانات لكن الغالب عليه الميل نحو الوحدة؛ لأنَّ الجزء الأكبر من الشعب العراقي تمازج عبر قرون ربما امتدت لأعماق التاريخ، وقد حاول الإحتلال الأمريكي تفكيك العراق بمشاريع عدةعلى أسسٍ طائفية لكنها رُفضت من جميع القواعد الجماهيرية، بل يذهب العديد من الباحثين إلى أنّ خيبة مشروع الانفصال في العراق في المدن الشيعية والسنية والكردية يعود إلى التكوين النفسي والاجتماعي والى العقلية والثقافة السياسية لدى الجمهور العراقي في اصراراه على وحدة العراق، طبعاً هذه الثقافة لها أسباب واسس ندعوا الاعلاميين والمثقفين ان يركزوا عليها وهي :
1/ التمازج والتفاعل التاريخي بين أبناء الشعب العراقي في السرّاء والضرّاء.
2/ التداخل الاجتماعي فإنَّ نسبة التزاوج بين السُنة والشيعة بلغت 17.8% وأنَّ التداخل العشائري بين السُنة والشيعة بلغ 28.9% فإننا نجد عشيرة واحدة نصفها سني والآخر شيعي أمثال عشيرة شمر، وزبيد، وجبور.
3/ شعورهم أنَّ أي مسعى بهذا الاتجاه إنّما يصب في مصلحة الاحتلال والغرب والأعداء.
4/ الإيمان بالتداول السلمي للسلطة، إذ يبدو للمتابعين إنَّ الشعب العراقي قد غادر الحياة الديكتاتورية، وأنَّ ثقافته السياسية بعد عام 2003م تجلّت بوضوح في ميله الكبير نحو التداول السلمي للسلطة والايمان بالانتخابات أو مايطلق عليه الإعلام العراقي (الأصابع البنفسجية).
إنَّ ذاكرة الشعب العراقي تحتفظ بالانتكاسات الاقتصادية والاجتماعية والتراجع الهائل في تقدّم المجتمع العراقي والحروب والدمار الذي خلفته النظم الدكتاتورية، ، نعم إنَّ ثقافة سياسية قد ولدت أو كادت في أعماق الشعب العراقي، وسمحت الظروف للشعب بممارستها بعد زوال الطاغية، وحصول الإجماع الوطني التعاقدي نحو طيِّ صفحة الانقلابات الدموية والعسكرية في الحياة السياسية العراقية، نحن لا نقول: إنّ الشعب العراقي تعمق لديه الإيمان بالمسؤولين والسياسيين أو غير ذلك، بل الشيء المؤكد أنَّ الشعب العراقي غالباً أشد إيماناً بالسلام الذي يحققه الصندوق الانتخابي قياساً إلى عهد الدكتاتوريات وتبادل السلطة عبر الدم والانقلابات العسكرية، واستيلاء الحكومات العسكرية.
لقد اختلفت حياة المواطن العراقي باختلاف ثقافته السياسية، ولقد مارس حرية التعبير عن رأيه مباشرة من خلال المشاركة السياسية في صناعة القرار، وانتشرت دوائر الإعلام، ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني ( الوطني منها )، وقنوات، وجرائد، ومواقع الأنترنت، وكلّها تعكس ثقافة سياسية موحدة لدى الجمهور العراقي نحو التداول السلمي للسلطة، وهذا كاشف أيضاً عن ملازمات عدّة لهذا التوجه الثقافي وهي :
1/ تبلور الثقافة السياسية الكاشفة عن ميل الشعب العراقي إلى سياسة التعايش السلمي.
2/ الإعتراف ضمناً بالواقع السياسي الحالي الذي يكون فيه شيعة العراق أحد أبرز مكوّنات وركائز العملية السياسية بعدما كانوا لا دور لهم يذكر في العراق.
3/ الإقرار والايمان بالدستور إجمالاً.
4/ شعور الجمهور العراقي بأنَّ دولة العراق الحالية تماسكت وصارت قوة معترفاً بها من خلال تكامل مؤسساتها الأمنية والإقتصادية والسياسية، فقد غادرت فكرة الدولة الضعيفة العقل السياسي العراقي ومورس ميدانياً، واكتشف واقعاً وجود قوة الأجهزة الأمنية والقضائية والسياسية في العديد من المناسبات.
5/ شعور الجمهور العراقي بإخفاق كل المخططات الإرهابية الأمنية والسياسية لضرب واسقاط العملية السياسية من قبل الإرهاب وحزب البعث وسائر المتآمرين.
5/رغبة الجمهور العراقي في تحسين حالته ببناء الدولة وأوضاعه المعاشية اقتصادياً وخدمياً، ومن المؤكّد أنَّ هذا الأمر المهم يمر عبر الدولة المستقرة، وأنَّ الجمهور العراقي يدرك أنَّ العراق يمتلك ثرواتٍ نفطية وخزائن هائلة قدرت بـ (116) مليار برميل، فضلاً عن الغاز، وأنّ هذه الثروات سوف تنهض بواقع اقتصادي كبير للجمهور العراقي حال تحسن أوضاع الدولة واستقرارها، لذا فإنَّ الجميع يميل إلى ثقافة سياسية اقتصادية تعتمد على الإرتباط بالدولة، وخلق فرص النجاح لها، وتعميق التواصل معها.
8/ رفض الاحتلال الأمريكي عسكرياً وأمنياً ومؤسساتياً وثقافياً .
هذه هي أهم مرتكزات الفكر السياسي المشترك للجمهور العراقي العام. ونكرر القول: إنّنا ذكرنا هنا مرتكزات الفكر السياسي والثقافة السياسية للجمهور العراقي كجمهور وليس كأحزاب وشخصيات مرتبطة بآيديولوجيات.
لكننا في البين نلاحظ ان الاعلام لايعمل على تطوير تلكم المرتكزات واسس الثقافة السياسية للشعب العراقي ويتجه به الى تطوير تجربته السياسية وتعميق الايمان بها وانهاء الاحباط وخلق الشعور بالامل الواقعي لتفعيل دور المواطن في التجربة السياسية بل نجد كمراكز دراسات ان نسبة عالية من الاعلام يمتاز بالعشوائية والانتقائية والتحزب وبث الاحباط وخلق الفواصل الكبيرة والندوب الكبيرة بين المواطن وتجربته السياسية ملقيا حمولة اخطاء السياسيين على التجربة السياسية , فبعض الاعلام غرضه الاساس اعلاميا بث الاحباط واقناع المواطن بفشل التجربة السياسية واعلام اخر يتواصل بذكر الاخطاء ولايهتم بتوجيه الراي العام الى البناء وسيبل الحل من خلال صناديق الانتخابات وتحسين الخيارات لدى المواطن
من هنا ندعوا الى خطاب اعلامي ثقافي يعيد الامة الى مرتكزاتها ويشعرها ان العملية السياسية قدرها وليس الاحزاب قدر الامة , نحتاج اليوم واكثر من اي وقت مضي الى لغة الصناعة لا لغة الهدم والتثبيط سيما لدينا منجزات لم تحصلفي تاريخ شيعة العراق لدينا دولة ودستور ودم وشهداء وحشد وانتصارات وعلماء لكن للاسف لانتحدث الا في الانكسارات لابد ان نصنع الهوية الوطنية المنتزعة من حقيقة الانتصار والتضحيات لا الجندر .
انتهى
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha