( بقلم : ضياء الهاشم )
أجتمعت لفاطمة الزهراء سلام الله عليها بنت النبي محمد صلوات الله عليه وآله من الصفات المميزة ما لم يحضى به أي من البشر على وجه الارض ، فقبل ولادتها التي كانت في مكة بعد البعثة النبوية بخمس سنين وبعد ان أسرى الله تعالى بنبيه ،كانت تحاكي وتحدث أمها خديجة الكبرى وهي في بطنها لتواسيها عن عزوف نساء قريش واعراضهن عن زيارتها . جاءت ولادة الزهراء تعويضا الهيا للنبي الاكرم بعد فقده لولديه القاسم وعبدالله وهما في سنتهما الاولى . ومنذ يوم ولادتها والبركة قد حلت على بيت النبوة وكيف لا يكون ذلك وهي التي سوف يرزق النبي منها أمتداده الطبيعي بعد أن قضى الله سبحانه وتعالى في أن تكون كفوء عليا، حيث لولا علي لما كان أحد كفوءا للزهراء عليها السلام.والرسول يؤكد ذلك بأن أمر تزويجها من علي هو من السماء ولطالما أنتظر هذا الأمر ليكون هو بنفسه من يزفها بيديه الكريمتين.
تربت فاطمة الزهراء عليها السلام في بيت النبوة تتغذى من وحي السماء وهي أبنة أبيها الذي منه أخذت كل صفات الكمال، وحتى بعد أن عاشت يتيمة بفقدها الأم وهي لم تكمل بعد سنوات عمرها الخمس ، فتكفلتها أم المؤمنين أم سلمة بالتربية الحسنة والحنان وكانت تغدق عليها وتعلمها الأخلاق الرفيعة وما يوصيها به النبي الاكرم . والى جانب ذلك ، كان النبي (ص) يوقرها ويعزها ويسمع لها ويعلمها دينها حتى أن أم المؤمنين عائشة قالت: (والله ما رأيت أصدق حديث من فاطمة) وكانت اذا دخلت على النبي قام اليها فقبلها وأجلسها في مجلسه وأصغى اليها وهي تحدثه ويتحنن عليها كما تتحنن هيّ عليه مثل تحنن الام على ولدها ولذلك سماها بأم ابيها..! واذا قام الانسان لشخص ليس كما هو يقوم اليه كما معروف عند العرب ، فاذا قمت لشخص ما فمعنى ذلك انك وقفت احتراما له ، أما في حالة أن تقوم اليه فهذا معناه أنك توقره اكثر من الاول ولا تكتفي بالوقوف له ،بل بالسير نحوه والتقدم بأتجاهه وهذا الامر فيه تعظيما وتقديرا أعظم من الاول.
جاءت آيات قرانية كثيرة تبين فضل وكرامة الزهراء سلام الله عليها ابتداءا من آية التطهير التي نزلت بحق أهل البيت وهم فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام حيث كان النبي ولسنوات عديدة يقف فجر كل يوم على باب علي وفاطمة ليناديهم فيستعدوا ويتهيأوا للصلاة وقبلها كان يضمهم في كساءه اليماني ويقول اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.ففاطمة التي ورثت عن ابيها صدقها وحسن تعبدها وصبرها وجميل خلقها الرفيع وعلمها وقوة ايمانها وحبها للخير وللحق كانت مثار اعجاب جميع من حولها فتلك عائشة وأم سلمة تقولان أنهما :( ما رأيت أحدا اشبه سمتا وأدبا وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة) أو ( ما رأيت أحدا أصدق لهجة منها الا ان يكون الذي ولدها) وهذا مارواه الحاكم في مستدركه بسنده عن عائشة. ومما جاء في حقها في القرآن الكريم من آيات الله تعالى قوله:( انا أعطيناك الكوثر ) وقوله في مباهلة النبي لوفد نصارى نجران عندما جاءوا يسألونه عن خلق آدم .( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)حيث بين لهم الرسول (ص) كيف أن الله سبحانه قد خلق عيسى عليه السلام من تراب وان فضله الله بخلقه من أم دون اب فليس ذلك مدعاة لما وصفوه به من صفات الربوبيه والا لو كان الامر كذلك لكان اولى بآدم الذي خلقه الله وليس له اب او ام ،فلم يقتنع أحدهم وأتهم الرسول بالكذب، فكان ان نزلت آية المباهلة الآية 61 من سورة آل عمران، حيث خرج النبي لمباهلة نصارى نجران بأهل بيته وهم( علي) الذي هو نفس الرسول و(فاطمة) التي عبر عنها القرآن( بنساءكم) وفي صيغة الجمع تلك معنى آخر، ليكون التعظيم لفاطمة عن سواها من نساء العالمين وجميع المؤرخين واصحاب التفاسير ومحدثي الروايات يجمعون انها أي الزهراء عليها السلام الوحيدة من النساء التي خرج بها النبي(ص)للمباهلة وابناءنا وهم الامامين( الحسن والحسين) عليهما السلام،فلما بصر بهم النصارى،ورأوا منهم الصدق،وشاهدوا بأم اعينهم امارات العذاب، طلبوا عدم المباهلة وتوسلوا الرسول ان يوقفها مقابل دفعهم للجزية.وقد أخرج السيوطي في الدر المنثور أن قوله سبحانه:( قل لا اسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى) من الآية23 في سورة الشورى بسنده عن ابن عباس قال: لما نزلت الآية قالوا يارسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: ( علي وفاطمة وولداهما).
وفاطمة التي أول من يدخل الجنة من البشر، قد روى الذهبي في ميزان الاعتدال حديثا عن النبي في حقها أنها اذا قامت في محرابها ليلة الجمعة لم تزل راكعة وساجدة حتى ينفجر عمود الصبح. وكان ولدها الامام الحسن(ع) قد سمعها وهي تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتكثر الدعاء لهم ولا تدعوا لنفسها بشيء فقال لها : ( يا أماه لم لا تدعي لنفسك كما تدعي لغيرك) فقالت : (يا بني الجار قبل الدار).ومع كل هذا وذاك فلم يحفظوا مكانتها من رسول الله (ص) فقد ذكر الطبري في دلائل الامامة: أن عمر بن الخطاب هجم مع 3000 رجل على بيتها وضربها فأسقط جنينها وكسر ضلعها حتى توفت متأثرة بجراحها وألمها ولها من العمر 18 عام، فجزع علي عليها كثيرا وهو الذي تكفل غسلها ومعه أسماء بنت عميس فقط ودفنها واخفى قبرها بناءا على وصيتها وقام ببناء سبعة قبور في البقيع،فلما عرف عمر أمر دفنها قال : هاتوا من نساء المسلمين من ينبش قبرها لنخرجها ونصلي عليها ،فبلغ ذلك أمير المؤمنين فخرج غاضبا مرتديا قباءه الاصفر الذي تعود لبسه عند الملمات وهو يحمل سيفه ذو الفقار ويقسم بالله لئن حول عمر من القبور حجرا ليضعن السيف فيهم فتلقاه عمر بما اراد،فأخذ علي (ع) ثوبه وضرب به الارض وقال له:( أما حقي فتركته مخافة أن ترتد الناس عن دينهم ، واما قبر فاطمة فوالذي نفسي بيده لئن حول منه حجر لأسقين الارض من دمائكم) وجاء ابو بكر فأقسم عليه برسول الله أن يتركه فخلى عنه وتفرق الجمع. وهذه الحادثة ينقلها ابن قتيبة الدينوري في الامامة والسياسةج1ص30 وابو الفتح الشهرستاني في الملل والنحل ج1ص52 وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ج1 ص268 والطبري في الرياض النظرة ج1 ص114 وغيرهم كثير. ولفاطمة صفات والقاب عديدة فهي الطاهرة المطهرة والصادقة والحانية والبتول والكوثر والزكية والراضية والمرضية والمعصومة المظلومة والشريفة والجميلة وهنالك الكثير .
https://telegram.me/buratha
