الشيخ محمد الربيعي ||
إذا كان الدّين الإسلامي دين الفطرة، وقوانينه تحاكي فطرة الإنسان وتناسبها، فلماذا نرى إعراض بعض الناس، وخصوصاً الطبقة المتعلّمة، عن الدّين والمذهب؟
سؤال يطرحه الكثيرون، ويبحثون له عن إجابة.
وقد تختصر الاجابة بملخص افكار العلماء و ذات التشخيص للحالة :
"إنّ تلوّث المحيط والبيئة بالفساد، وانغماس النّاس في الشهوات والأهواء الشخصيّة والنفسية، واحدة من أهمّ موجبات إعراض البعض ونفورهم من الله والدّين والمسائل الروحية.
فالمحيط الملوّث بالفساد، كان ولايزال موجباً لتحريك الشهوات، وموجداً لأرضية التوجه إلى ملذّات الجسد والانحدار نحو الصفات الحيوانية، ومن البديهيّ أن الانغماس في الشهوات الحيوانية الوضيعة، يتنافى مع الإحساسات الروحانية المتعالية المتمثّلة بالتدين والأخلاق السامية، إضافةً إلى المسائل العلمية والفنية والذوقية، بل ويقتلها في نفس الإنسان.
فالإنسان الغارق في الشهوات، لا يمكنه أن يربي الإحساسات الدينية والأخلاقية في نفسه فقط، بل يفقد الإحساس بالعزة والشّرف والكرامة والسيادة.. إن أسير الشهوة لا يتأثر كثيراً بالجاذبات المعنوية والروحية، ناهيك بالمسائل الدينية والأخلاقية والعلمية والفنية والذوقية.
في لغة الدّين، يعبّر عن هذه المسألة بالتالي: عندما تقسو القلوب وتملؤها الكدورة والظلمة، لا تهتدي إلى نور الإيمان: {إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
من هنا، فإنّ الإنغماس في الشهوات الحيوانيّة، عامل أساس في تضعيف الدين والأخلاق في وجود البشر، وبالتالي النفور منه.
أمر آخر من موجبات الإعراض وعدم التوجّه إلى الدين، هو النزاع والجدال الذي يوجده بعض المبلّغين والمدّعين الحمقاء، بين الدين من جهة، والغرائز الفطرية والطبيعية للبشر من جهة أخرى، فبدل أن يظهروا الدّين على أنه مصحّح وموجّه للغرائز الطبيعية، يعرّفونه على أنه يخالف سائر الفِطَر البشرية ويعاديها.
بعض من يدّعي القداسة والتبليغ، يحاربون كل شيء باسم الدين الحنيف؛ وشعارهم: إن كنت متديناً، فعليك رفض كل شيء؛ لا تقترب من المال والثروة، اترك الحيثية والمقام، اهجر المال والولد، اهرب من العلم لأنه الحجاب الأكبر وأصل الضلال، إياك والسعادة والسرور، تبرّأ من الخلق وعش منزوياً، وغيرها من المسائل... وفي النتيجة، على الإنسان أن يحارب كل شيء إذا أراد أن يتّبع الغريزة الدينية! وهذا ما يجعل الناس ينظرون إلى الدين نظرة تشاؤمية.
إن دين الإسلام المقدَّس بحاجة إلى تبيان صحيح، وحقائق هذا الدين تنعكس في أذهان الناس تدريجياً، ولعلّ العلة الأساس لهروب بعض الناس ونفورهم من الدّين، هي التعليمات الخاطئة التي تعطى لهم باسم الدين، وفي أيامنا هذه، نجد كثيراً ممن يدّعون حماية هذا الدين، يسيئون إلى الدين باسم الدين أكثر من غيرهم.
من المسلّم به، أنّ إعراض الكثيرين من المتعلمين والمثقّفين عن الدين، يرجع سببه إلى المفاهيم الدينية الخاطئة التي وصلت إليهم، ولم تشرح لهم بشكل صحيح. والحقيقة أن ما ينكره هؤلاء، ليس المفهوم الواقعي لله والدين، إنما مفهومٌ لشيء آخر.
اللهم احفظ الاسلام اهله
اللهم احفظ العراق وشعبه
https://telegram.me/buratha