الشيخ محمد الربيعي ||
من الاسئلة التي تُثار من قبيل ما هي الحكمة من غيبة الامام الحجة ( ع ) ، وما هي الفائدة من ذلك، فالردّ عليها، أنَّ غيبة الإمام من غيب الله، شأنها شأن أيّة مسألة غيبية آمنّا بها، لأنّ الصادق المصدّق أخبرنا بها، فالحديث عن النبيّ(ص) ثابت: "إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"، فهذا النوع من الاتّصال بين العترة والكتاب في مدى الزّمن، يدلّ على أنّ العترة تظلّ مع الكتاب، وهذا لا يتمثّل إلاّ بالإمام المهديّ(عج).
وهكذا جاء في الحديث أيضاً: "يكون منّا إثنا عشر خليفةً، ينصرهم الله على مَن ناوأهم، ولا يضرّهم من عاداهم"، وهو ممّا يرويه السنَّة والشِّيعة معاً، ولا ينطبق إلاّ على الأئمَّة الإثني عشر حصراً، فلا هو ينطبق على الخلفاء الرّاشدين، ولا على الأمويّين، ولا على العبّاسيّين، بل الخلافة منحصرة فيهم فقط.
وعن الرسول(ص) أيضاً، ورد تخصيص في هذا الأمر: "لن تنقضي الأيّام واللّيالي، حتى يبعث الله تعالى رجلاً من أهل بيتي، اسمُه اسمي، وكنيته كنيتي، واسمُ أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً". ولقد تكاثرت وتضافرت الأحاديث عن أئمّة أهل البيت(ع). فالإمام المهدي(عج) حقيقة حديثيّة، كما هو إمكانية عقلية وعلمية، وعلينا أن نصدِّق كلّ ما جاءنا عن رسول الله(ص)، ممّا عرفنا سرّه وممّا لم نعرف.
فالمهديّة ـــ من هذا المنطلق ـــ عقيدة ثابتة بالأدلّة الشرعيّة القطعيّة التي لا مجال لإنكارها من خلال الوسائل التي تثبت بها العقائد. ولقد تحدَّث العلماء في ذلك كثيراً، وحاولوا اكتشاف بعض الأسرار، وأن يوجّهوا بعض الاحتمالات، لكنّنا نختصر المسألة في أنها من أمور الغيب التي ثبتت لنا من خلال الرّسول(ص) والأئمّة من أهل بيته، سواء من جانب التعيين، أو من جانب المبدأ، كما ثبت ذلك بإجماع المسلمين.
غير أنّ ما يواجهنا هنا هو: ما هي مسؤوليّتنا في هذا الوقت الضّائع في المدّة التي تفصل بين غيبته وظهوره؟ هل إنَّ الإسلام قد تجمّد خلال ذلك، وهو دين الله الّذي أراد للناس أن يتحرّكوا فيه على مدى الزّمن؟ فالإنسان لا بدَّ من أن يكون مسلماً ممارساً ومسؤولاً ومنفتحاً على كلّ حكم من أحكام الإسلام على مدى الزّمن، فهو بكلّ أحكامه وشرائعه ومناهجه ومفاهيمه، لا يزال حيّاً متحركاً، يواجه الناس بمسؤوليّاتهم في هذا الوقت وفيما قبله. وفي ضوء ذلك، نعتقد أنّ كلّ العناوين الإسلامية، إنْ من ناحية المسائل الفردية المتصلة بتكليف الفرد من صلاة أو صوم وما إلى ذلك، أو من ناحية المسائل العامة المتصلة بالأمّة في حركتها، هي من أجل أن يكون الإسلام قاعدةً للفكر والعاطفة والحياة.
فما دام الإسلام هو دين الله، وهو الحلّ الّذي أراده لمشاكل الإنسان، والمنهج الّذي رسمه لتغطية حاجاته، فلا بدَّ للمسلمين من أن يحتضنوا الإسلام في وجدانهم، وفي ممارساتهم وحركتهم، فرديّاً وجماعياً، ليحقّقوا الخطوط العامّة بجهدهم، كما يحقّقون الخطى التفصيلية. ولهذا فإنّ مسؤولية المسلمين في غيابه(عج)، قد تكون أكثر من مسؤوليتهم في حال حضوره، باعتبار أنّ حضور الإمام، قد يخفّف الكثير من المسؤوليّات عن عاتق العاملين، لأنّهم يلقون ذلك إليه. ولكنّنا في غيابه، نحتاج إلى أن نحتضن الساحة ونلاحقها، ونستوحي كلّ كلماته التي هي ليست فقط ما صدر عنه بالخصوص، ولكنّ كلماته هي القرآن كلّه، وهي السنّة النبويّة الشريفة كلّها، وهي كلّ ما صدر عن آبائه الأئمة(ع)، وما صدر عنه هو شخصياً.
وعلى هذا الأساس، فنحن نعيش حضوره في كلّ هذا الخطّ الإسلاميّ، من الكتاب والسنّة بكلّ امتداداتها وتفاصيلها، فنحن لا نشكو فراغاً من خلال فراغ حضوره، لأنّ هذا الفراغ يمتلئ بهذا التراث الدينيّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولقد قال للذين سألوه عمّا يصنعون في حال غيبته، كما روي عنه: "وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله".
ومن هنا ابتدأت مسيرة العلماء في احتضان التراث الإسلاميّ في خطوطه العامة وتفاصيله.. ومن هنا أيضاً، انطلقت مسيرة العلماء المجتهدين المتّقين الواعين المجاهدين والمنفتحين على قضايا الإسلام وقضايا الحياة بكلّ اجتهادهم ووعيهم وإخلاصهم وجهادهم. فنحن مسؤولون عن أن نملأ الفراغ في كلّ مجالات حياتنا، ونتحسَّس وجوده من خلال ما نتحسَّسه من رقابته علينا، ورصده لنا وبركته علينا بكلّ ما للحركة الإسلاميّة من قضايا ومشاكل وتحدّيات.
محل الشاهد :
اذن ونحن ننتظره لا انتظار الغافلين، ولا انتظار المرتاحين، ولا انتظار المتعبين، بل انتظار الرساليّين، لأنّه في معناه في وجداننا الإسلاميّ، رسالة نعيش روحانيّتها في الحاضر، وننتظر حركيّتها في المستقبل، والسؤال الّذي لا بدّ لنا من أن نطرحه على أنفسنا، هو أننا نزوره، ونتوسّل إلى الله أن يعجّل ظهوره، ونتحدّث
إليه بالمحبّة كلّها، وربما يبكي البعض شوقاً إليه، ولكن ليس هذا هو دورنا الحركي، لأن قضية أن تكون مسلماً، وأن تكون ملتزماً بمنهج أهل البيت(ع)، هو أن تبقى تتحرّك في الخطين اللّذين رسمهما رسول الله(ص) للأمّة من بعده، لترتبط الأمّة بهما معاً، لأنهما لن يفترقا في خطّ الرّسالة، فلا بدّ من أن لا يفترقا في وعي الذين يلتزمون الرّسالة: "إني تاركٌ فيكم الثّقلين؛ كتاب الله حبلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنَّ اللَّطيف الخبير أخبرني أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا ماذا تخلّفوني فيهما
حفظ الله الاسلام واهله
حفظ الله العراق و شعبه
https://telegram.me/buratha