المقالات

الفعل يعتدون في القرآن الكريم


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن يعتدون "ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ" ﴿البقرة 61﴾ يَعْتَدُونَ: يَعْتَدُ فعل، ونَ ضمير، واذكروا حين أنزلنا عليكم الطعام الحلو، والطير الشهي، فبطِرتم النعمة كعادتكم، وأصابكم الضيق والملل، فقلتم: يا موسى لن نصبر على طعام ثابت لا يتغير مع الأيام، فادع لنا ربك يخرج لنا من نبات الأرض طعامًا من البقول والخُضَر، والقثاء والحبوب التي تؤكل، والعدس، والبصل. قال موسى مستنكرًا عليهم: أتطلبون هذه الأطعمة التي هي أقل قدرًا، وتتركون هذا الرزق النافع الذي اختاره الله لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إلى أي مدينة، تجدوا ما اشتهيتم كثيرًا في الحقول والأسواق. ولما هبطوا تبيَّن لهم أنهم يُقَدِّمون اختيارهم في كل موطن على اختيار الله، ويُؤْثِرون شهواتهم على ما اختاره الله لهم، لذلك لزمتهم صِفَةُ الذل وفقر النفوس، وانصرفوا ورجعوا بغضب من الله، لإعراضهم عن دين الله، ولأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ظلمًا وعدوانًا، وذلك بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود ربهم، و "ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ" ﴿آل عمران 112﴾ جعل الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود، فهم أذلاء محتقرون أينما وُجِدوا، إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالهم، وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام، ورجعوا بغضب من الله مستحقين له، وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة، فلا ترى اليهوديَّ إلا وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان، ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم بالله، وتجاوزهم حدوده، وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء، وما جرَّأهم على هذا إلا ارتكابهم للمعاصي، وتجاوزهم حدود الله، و "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ" ﴿المائدة 78﴾ يخبر تعالى أنه طرد من رحمته الكافرين من بني إسرائيل في الكتاب الذي أنزله على داود عليه السلام وهو الزَّبور، وفي الكتاب الذي أنزله على عيسى عليه السلام وهو الإنجيل، بسبب عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله.

عن يونس بن يعقوب عن ابن سنان عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وتلا هذه الآية "ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" (البقرة 61) قال والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فاخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا واعتداء ومعصية المحاسن 256 - البرقي عن ابن سنان العياشي 45 ج 1 - عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه.

جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: أخرج ابن راهويه والبخاري في الوحدانيات، وابن السكن وابن مندة والباوردي في معرفة الصحابة، والطبراني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن أبزى، عن أبيه: قال: خطب رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر طوائف من المسلمين فأثنى عليهم خيرا، ثم قال: ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم ولا يفقهونهم، ولا يأمرونهم ولا ينهونهم؟ وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون؟ والذي نفسي بيده ليعلمن (جيرانهم) أو ليتفقهن أو ليتفطنن أو لأعاجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا، ثم نزل ودخل بيته فقال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله: من يعني بهذا الكلام؟ قالوا: ما نعلم يعني بهذا الكلام إلا الأشعريين فقهاء علماء، ولهم جيران جفاة جهلة. فاجتمع جماعة من الأشعريين فدخلوا على النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله فقالوا: ذكرت طوائف من المسلمين بخير وذكرتنا بشر فما بالنا؟ فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله: لتعلمن جيرانكم ولتفقهنهم ولتأمرنهم ولتنهنهم أو لأعاجلنكم بالعقوبة في دار الدنيا، فقالوا: يا رسول الله فأمهلنا سنة ففي سنة ما نعلمهم ويتعلمون فأمهلهم سنة ثم قرأ رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ * كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ" (المائدة 78-79).

عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: من هم المغضوب عليهم، ومن هم الضالين؟ يتضح من الآية الكريمة أن المغضوب عليهم والضالين مجموعتان لا مجموعة واحدة، وأما الفرق بينهما ففيه ثلاثة أقوال: 1 - يستفاد من استعمال التعبيرين في القرآن أن "المغضوب عليهم" (الفاتحة 7) أسوأ وأحط من "الضالين" (الفاتحة 7)، أي إن الضالين هم التائهون العاديون، والمغضوب عليهم هم المنحرفون المعاندون، أو المنافقون، ولذلك استحقوا لعن الله وغضبه. قال تعالى: ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله. وقال سبحانه: ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء، عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم. المغضوب عليهم إذن يسلكون إضافة إلى كفرهم طريق اللجاج والعناد ومعاداة الحق، ولا يألون جهدا في توجيه ألوان التنكيل والتعذيب لقادة الدعوة الإلهية. يقول سبحانه: "وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ" (ال عمران 112) سبب النزول عندما أقدم بعض ذوي الضمائر المستيقظة من كبار اليهود مثل عبد الله ابن سلام على ترك دينهم واعتناق الإسلام عمد جمع من رؤوس اليهود إليهم وأنبوهم لإسلامهم، بل وهددوهم لتركهم دين الآباء، واعتناق الإسلام، فنزلت هذه الآيات لتثبيتهم، وتبشيرهم وتبشير المسلمين بالظفر. 2 - ذهب جمع من المفسرين إلى أن المقصود من الضالين المنحرفون من النصارى، والمغضوب عليهم المنحرفون من اليهود. هذا الفهم ينطلق من مواقف هذين الفريقين تجاه الدعوة الإسلامية. فالقرآن يصرح مرارا أن المنحرفين من اليهود كانوا يكنون عداءا شديدا وحقدا دفينا للإسلام. مع أن علماء اليهود كانوا من مبشري ظهور الإسلام، لكنهم تحولوا إلى أعداء ألداء للإسلام لدى انتشار الدعوة لأسباب عديدة لا مجال لذكره. قوله تعالى "وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام وحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذ لك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذ لك بما عصوا وكانوا يعتدون" (البقرة 61) التفسير: المطالبة بالأطعمة المتنوعة بعد أن شرحت الآيات السابقة نعم الله على بني إسرائيل، ذكرت هذه الآية صورة من عنادهم وكفرانهم بهذه النعم الكبرى. تتحدث الآية أولا عن مطالبة بني إسرائيل نبيهم بأطعمة متنوعة بدل اطعام الواحد (المن والسلوى).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك