تُظهرُ هذه العمليةُ عدّةَ مؤشِّرات دالَّة على الوضع العسكريّ والسياسيّ الراهن:
1.. تعكسُ العمليةُ عجزَ إسرائيل عن تنفيذِ هجماتٍ مباشرةٍ، سواء أكانت برية أم بحرية أو جوّية ضد حزب الله، ممـّا يشير إلى تدهور قدرتها على تحقيق أهدافها العسكرية التقليدية. وهذا العجز يعكسُ حالةً من الخوفِ والقلقِ داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لذا تفضِّلُ اللجوء إلى عمليات غير مباشرة، مثل تفجير أجهزة الاتصال، كوسيلةٍ للتأثير على اعدائها .
2.. لقد اعتمد العدوّ الصهيوني ّبشكلٍ كبيرٍ على بساطة العقل الأمني لجبهة المقاومة، وهو ما تؤكِّده الأحداث المتتالية في المنطقة. ويبدو أنّ هذا الاعتماد ليس مجرّد صدفة، بل هو نتيجة لتفوّق القوى الأطلسية في مجال الاستخبارات والأمن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد استغلّ العدوّ هذا العنصر بشكلٍ استراتيجيٍّ، ممـا يعكسُ فهمًا عميقًا لطبيعة الصراع وأدواته.
إنّ هذا الاختراق يُبرز الحاجة الملّحة لإجراء مراجعات شاملة وصادقة في استراتيجيات المقاومة، بعيدًا عن المجاملات أو المبالغات، فيجبُ أنْ تكون هذه المراجعات قائمة على تحليل دقيق للواقع، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيّرات السريعة في المشهد الإقليميّ والدوليّ.
علاوة على ذلك، فإنّ التحديات التي تواجهها جبهة المقاومة تتطلّب تطوير آليات جديدة للتفكير الأمنيّ، تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة، بدلاً من الاعتماد على الأساليب التقليدية. إنّ تعزيز القدرات الاستخباراتية والتعاون بين الفصائل المختلفة يمكن أن يسهم في تحسين فعالية الردود على التهديدات.
في النهاية، إنّ إدراك العدوّ لضعف العقل الأمني لدى المقاومة يجب أنْ يكون دافعًا لتجديد الفكر الاستراتيجيّ للمقاومة ويكون أحد عناصر الردع ، و لابد من تبنّي أساليب جديدة، تضمن عدم تكرار الأخطاء السابقة وتحقق الأهداف المنشودة في مواجهة التحديات المستقبلية.
3.. لا تعكس تلك الحوادث والاغتيالات قدرةَ إسرائيل على إعلان انتصارها، بل تشير إلى واقع مختلف تمامًا. فإسرائيلُ لا تزالُ محاصرةً من المقاومة في المنطقة ، وتسعى جاهدةً لتفكيك الطوق الذي يحيط بها، ممـّا يعكس حالة من الضعف والقلق في صفوفها.
إنّ هذه العملياتِ، رغم ما قد تبدو عليه من قوّة، لا تعكس سوى محاولةٍ يائسةٍ لاستعادة بعض من هيبتها أمام الرأي العامّ المحلّي والدولي. فالصورة التي تروّجها إسرائيل عن نفسها كقوّة لا تقهر تتعرّض للاهتزاز، خاصّة في ظلّ تزايد الوعي الشعبي حول الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكبها.
علاوة على ذلك، فإنّ هذه الحوادث تعكس أيضًا تراجعًا في قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، ممـّا يضعها في موقفٍ دفاعي. فبدلاً من أنْ تكون في موقع القوّة، تجد نفسها مضطرة للردّ على التحديات المتزايدة من محور المقاومة، الذي أصبح أكثر تنظيمًا وتماسكًا.
في هذا السياق، يجب أنْ نلاحظ أنّ الرأي العام العالمي بدأ يتجه نحو مزيد من التعاطف مع قضايا الشعوب المظلومة، ممـّا يزيد من الضغوط على إسرائيل.
4.. يسعى كُلٌّ من نتنياهو وترامب ، في خطوةٍ تُعتبر من بين الأكثر غباءً في التاريخ السياسيّ، إلى جرِّ المنطقةِ نحو حريقٍ كبيرٍ يهددُ استقرارها. وفي هذا السياق، يبرزُ دور بعض المخابرات العربية التي تعمل على خلط الأوراق، بهدف إخراج إسرائيل من ورطتها الحالية.
تتجلّى هذه المحاولات في الضغط على الولايات المتحدة الأميركية لدخول المعركة، ممـّا يهدف إلى إجبار المنظومة الدولية على إعادة تقييم قواعد الاشتباك، بحيث لا تُترك إسرائيل وحدها تواجه مصيرها في المنطقة. إنّ هذا السيناريو يعكسُ تواطؤًا غير مسبوق بين القوى الغربية وبعض الأنظمة العربية، حيث يسعون جميعًا إلى تحقيق مصالحهم على حساب الأمن والاستقرار الإقليمي.
ومع ذلك، فإنّ هذه الاستراتيجيات الإسرائيلية محفوفة بالمخاطر، حيث إنّ إشعال فتيل الصراع يؤدّي إلى عواقب وخيمة لا يمكن السيطرة عليها.
علاوة على ذلك، فإنّ الشعوب في المنطقة بدأت تدرك هذه الأجندات، ممـّا يزيد من احتمالية ردود الفعل الشعبية ضدّ الأنظمة التي تتعاون مع إسرائيل.
إنّ الوعي المتزايد حول هذه الديناميكيات قد يؤدّي إلى تحوّلات سياسية واجتماعية، تعيد تشكيل المشهد الإقليمي بشكل جذريّ .
٥.تسعى إسرائيل من خلال هذه العمليات إلى خلقِ بيئةٍ ضاغطةٍ ترفض المقاومة وتحدّ من قدرتها على العمل. ومع ذلك، يبدو أنّ هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها أخطاء جسيمة. فبدلاً من تحقيق أهدافها المعلنة، قد تؤدّي هذه العمليات إلى تعزيز الروح المعنوية لجبهة المقاومة، ممـّا يجعلها أكثر تماسكًا وإصرارًا على مواجهة التحديات.
إنّ استخدام القوّة كوسيلة للضغط ينعكس سلبًا على صورة إسرائيل، ويزيد من تعاطف الشعوب مع قضايا المقاومة.
إنّ هذه العمليات تساهم في توحيد صفوف المقاومة، حيث تتجلّى في أذهان الأفراد أهمّية التصدّي للاعتداءات. والتاريخ يشهد على أنّ محاولات قمع الحركات المقاومة غالبًا ما تؤدّي إلى نتائج عكسية، حيث تزداد قوّة هذه الحركات في مواجهة التحديات وتتعمق المقاومة في وجدان الامة ووجودها .
٦.. تُظهرُ جميعُ المؤشِّرات بأن ثمة دلالاتٍ واضحةٍ على تمرّد الجيش الإسرائيلي ضدّ القيادة السياسية، وبالتحديد ضدّ رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو). ويبدو أنّ المؤسسة العسكرية بدأت تعبر عن استيائها من السياسات المتبعة، ممـّا يضع (نتنياهو) في موقفٍ صعبٍ ، ويعكس حالة من عدم الاستقرار داخل الصفوف العسكرية.
في ظلِّ هذه الأوضاع، يتجه( نتنياهو ) بشكل متزايد إلى جهاز الموساد، الذي يُعتبر الذراع الاستخباراتية لإسرائيل، في محاولة ايقافة تداعيات الهزائم المتكررة.
هذا الاعتماد المتزايد على الموساد يعكسُ عدم الثقة المتزايدة في الجيش، ويشير إلى أزمة عميقة في القيادة العسكرية والسياسية.
إنّ هذا الوضع يؤدّي إلى تفاقم الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية، ممـّا ينعكس سلبًا على فَعَّالية العمليات العسكرية الإسرائيلية.
7.. تشيرُ الاستطلاعات إلى أنّ صعودَ ( هاريس كاميلا)، قد دفع الرئيس الأمريكي السابق ( دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) نحو التصعيد ، واتخاذ خطوات استفزازية في المنطقة.
8.. كانت إسرائيل تسعى لبناء استراتيجيتها ضدّ إيران والمقاومة على أساس توقّع مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، خاصّة بعد اغتيال القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية. وقد كانت هذه الخطّة متفق عليها بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ومع ذلك، أدركت إيران هذه المخططات وقامت بتعديل قواعد ردها، ممـّا أحدث تحوّلًا في المعادلة الإقليمية.
اليوم، تعاني إسرائيل من تداعيات هذه الاستراتيجية، حيث يتعرّض أمنها واقتصادها وموقفها العسكري لصدمة كبيرة.
هذا الوضع ينعكس أيضًا على المجتمع الإسرائيلي، الذي يشعر بالقلق والارتباك في ظلِّ هذه التغيّرات. بينما تمتلك إيران الآن حقّ الرد ّووسائل اللعب بمصير إسرائيل، ممـّا يزيد من تعقيد المشهد الأمني ضدها في المنطقة.
٩.. يقلل البعض من قدرات المقاومة في الردّ أو في نوعية الردود، خاصّة إذا كان الرد صاروخيًا، ويطالبون بالمماثلة في القوّة. ورغم أنّ فكرة المماثلة قد تبدو دقيقة من منظور عسكريّ، إلا أنّ المقاومة تمتلك مجموعةً متنوّعة من القدرات في مجالات الرد المختلفة، سواء كانت صاروخية أو سيبرانية.
ومع ذلك، تدرك المقاومة تمامًا أنّ اختيار السبل المناسبة للردّ يتطلّب حكمة استراتيجية. فهي تعرف جيدًا أنّ بعض الخيارات قد تؤدّي إلى تأزيم الموقف داخل إسرائيل والولايات المتحدة، ممـّا يمنع توحيد جبهاتهم ويزيد من حدّة الخلافات بينهم.
إن إبقاء نيران الخلاف مشتعلة بين القوى المعادية يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية على المقاومة، حيث يضعف من قدرتهم على التنسيق ويشتت انتباههم عن التهديدات الحقيقية.
ويجب أنْ نأخذ بعين الاعتبار أنّ المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية، بل هي أيضًا قوّة استراتيجية تدرك أهمّية اللعب على الأبعاد النفسية والسياسية للصراع. إنّ فهم هذه الديناميكيات يمكن أنْ يساعد في توضيح كيف يمكن للمقاومة أنْ تتعامل مع التحديات المعقّدة التي تواجهها، مع الحفاظ على توازن دقيق بين القوّة والذكاء الاستراتيجي.
١٠..من المتوقّع أنْ تشهد الساحة مزيدًا من العمليات الإسرائيلية المماثلة، لكن لا ينبغي لأحدٍ أنْ يتوقّع أنْ تخرج إسرائيل من قفص الرعب الذي تسببت فيه المقاومة، أو أنْ تتخلّص من الحصار الذي يفرضه عليها الواقع العسكريّ والسياسيّ.
https://telegram.me/buratha