د. محسن العكيلي ||
لا يمكن تجاهل الدور المشبوه الذي تلعبه تركيا في العراق منذ سنوات، والذي يتجلى في دعمها للجماعات الإرهابية، وإيوائها للمطلوبين للقضاء العراقي، فضلًا عن تدخلاتها السياسية والإعلامية التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وإثارة الفتن الطائفية. تتعدد أوجه هذا الدور التخريبي، مما يجعل من الضروري تسليط الضوء على سياسات أنقرة التي تخدم مصالحها التوسعية وأجنداتها المشبوهة، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها في الداخل العراقي.
1. تركيا كحاضنة للإرهاب
لقد وفّرت أنقرة منذ سنوات ملاذًا آمنًا للعديد من القيادات الإرهابية، بدءًا من فلول تنظيم “داعش” مرورًا ببقايا البعثيين والمجرمين الفارين من العدالة العراقية، وصولًا إلى الشخصيات المتورطة في جرائم ضد الشعب العراقي. لا يخفى على أحد أن العديد من قادة “داعش” كانوا يتحركون بحرية في المدن التركية، وكانت تركيا نقطة عبور رئيسية للإرهابيين إلى العراق وسوريا.
كما أن الدعم اللوجستي والاستخباري الذي قدمته تركيا للتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا بات موثقًا، سواء من خلال تسهيل دخول المقاتلين عبر حدودها أو تقديم التغطية الإعلامية والسياسية لأنشطتها. إن وجود شبكات تهريب تركية كانت تنقل السلاح والمقاتلين إلى “داعش” عبر الأنبار والموصل أمر لم يعد موضع شك، مما يجعل أنقرة شريكًا رئيسيًا في سفك دماء العراقيين.
2. استضافة المطلوبين للقضاء العراقي
لم تكتفِ تركيا بدعم الإرهاب المسلح فحسب، بل تحولت إلى ملاذ آمن لشخصيات عراقية مطلوبة للقضاء بتهم الفساد والإرهاب، حيث يتم استخدامهم كورقة ضغط سياسية على بغداد. هؤلاء الفارون يستفيدون من الحماية التركية لتنفيذ أجندات تهدف إلى ضرب الاستقرار السياسي وإضعاف العراق داخليًا.
إن إبقاء تركيا على هؤلاء الأشخاص وإفساح المجال لهم للتحرك بحرية، سواء عبر قنواتها الإعلامية أو من خلال الاجتماعات السرية مع الاستخبارات التركية، يؤكد أن أنقرة ليست مجرد مراقب في الشأن العراقي، بل هي فاعل رئيسي يسعى لإبقاء العراق في حالة ضعف مستمر.
3. التحريض الإعلامي والتضليل الممنهج
في الآونة الأخيرة، قامت وسائل إعلام تركية بشن حملة تضليلية خطيرة تستهدف النجف الأشرف والمرجعية الدينية، عبر اختلاق أكاذيب تتحدث عن اجتماع مزعوم ضم قيادات إيرانية وضباطًا سابقين في نظام الأسد داخل النجف، بهدف التخطيط لاغتيال الإرهابي الجولاني وتنفيذ انقلاب في سوريا.
إن هذا التقرير الكاذب يحمل أهدافًا متعددة، منها:
• محاولة تشويه صورة النجف الأشرف والمرجعية الدينية، باعتبارها صمام الأمان للعراق، وهو ما يتماشى مع المخططات الطائفية التي تغذيها تركيا وأدواتها التكفيرية.
• إعادة تأجيج الفتنة الطائفية في العراق عبر اتهام الشيعة بالتآمر مع إيران ونظام الأسد، في محاولة لإثارة الرأي العام وتحفيز التنظيمات الإرهابية لتنفيذ هجمات جديدة.
• خلق ذرائع لاعتداءات مستقبلية ضد العراق ولبنان، حيث زعم التقرير المضلل أن “حزب الله” متورط في المخطط، في إشارة إلى تبرير الاعتداءات التي تقوم بها الجماعات التكفيرية ضد لبنان والعراق على حد سواء.
• تمهيد الأرضية لتصعيد جديد ضد الحشد الشعبي، من خلال اتهامه بالمشاركة في هذا السيناريو المختلق، وذلك لإعطاء مبرر لشن هجمات إرهابية ضد قواته ومحاولة تقويض دوره في حماية البلاد.
4. اللقاءات السرية مع القيادات السنية وأجندة التخريب
يتزامن هذا التحريض الإعلامي مع اجتماع عقدته الاستخبارات التركية قبل أيام مع عدد من القيادات السنية العراقية في أنقرة، وهو اجتماع يعكس نوايا أنقرة التخريبية في العراق. المعلومات المتاحة تشير إلى أن هذه اللقاءات جاءت في سياق إعداد مخطط جديد يهدف إلى زعزعة الاستقرار في العراق، عبر تحريك أدواتها السياسية والإعلامية لإثارة الأزمات الأمنية والطائفية.
من الواضح أن هذه التحركات تأتي في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى تصدير الفوضى من سوريا إلى العراق، وتنفيذ مخططات تهدف إلى استهداف الشيعة، فضلًا عن استغلال الوضع العراقي كأداة لصرف الأنظار عن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، خاصة بعد تسريبات تتحدث عن مخطط تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن وربما إلى العراق أيضًا.
5. مسؤولية الحكومة العراقية في مواجهة المخطط التركي
أمام هذه التهديدات، ينبغي على الحكومة العراقية اتخاذ خطوات حاسمة لإفشال المخططات التركية، عبر:
• إصدار موقف رسمي يدين التدخل التركي الإعلامي والأمني في الشأن العراقي.
• اتخاذ إجراءات قانونية ضد وسائل الإعلام التي تروج للأكاذيب الهادفة إلى تأجيج الفتن الطائفية.
• التحقيق مع القيادات السنية التي اجتمعت مع المخابرات التركية، ومراقبة أنشطتها المشبوهة داخل العراق.
• تعزيز الأمن في المناطق المستهدفة بالمخططات الإرهابية، واتخاذ إجراءات استباقية لإحباط أي تصعيد محتمل.
الخاتمة
إن الدور التركي في العراق ليس مجرد “تدخل عابر”، بل هو مشروع قائم على زعزعة الاستقرار الداخلي عبر دعم الإرهاب، واحتضان الفاسدين، والتحريض الإعلامي، والتلاعب بالملف الطائفي. العراق اليوم أمام تحدٍ كبير يتطلب موقفًا وطنيًا موحدًا، بعيدًا عن الحسابات الضيقة، لمواجهة هذه التدخلات وحماية سيادة البلاد من مخططات أنقرة وأدواتها التخريبية.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)