( بقلم : اسعد راشد )
انعقد مؤتمر حوار الاديان في مدريد برئاسة الملك السعودي عبد الله ابن عبد العزيز ال سعود و قد حضره اكثر من 200 شخصية عالمية من مختلف الاديان الثلاثة وقد قامت السعودية بتنظيم هذا المؤتمر وتمويله وهي المرة الاولى التي تقدم فيها 'المملكة السعودية' على عقد مثل هذا المؤتمر في عاصمة اوروبية ‘ ويأتي عقد المؤتمر بعد مؤتمر مكة الذي قاده الملك السعودي لحوار الاديان والذي اعقبه مباشرة بيان جمع من علماء وشيوخ الوهابية بتكفير الشيعة واعتبارهم 'اسوء طوائف الامة' !
والسؤال الذي يراود المراقبون هو ما الذي يريده النظام من عقد مثل هذا المؤتمر وفي عاصمة اوروبية في وقت عجز فيه من تحقيق اي تقدم في تضييق الفجوة بين مذاهب مواطنيه والوصول الى قاسم مشترك يوحد شرائح المجتمع الذي يتحكم فيه لون مذهبي واحد لا يعترف بثاني اكبرمذهب في المملكة السعودية ويكفر اتباعه على مرأى ومسمع راعية 'حوار الاديان' في مدريد ؟
يشكك الكثير من المراقبين في النوايا الحقيقية للقائمين على مثل هذا المؤتمر الذي رفضت لندن وواشنطن استضافته او حتى السماح بعقده برعاية سعودية خاصة وان تداعيات احداث 11 سبتمبر مازالت تثير الغصة والالم في نفوس ضحاياها تلك الاحداث التي نفذها الوهابيون الانتحاريون الذين كان السعوديون يشكلون الغالب في المجموعة المنفذة لتلك العملية الارهابية فيما يرى عدد من المحللين ان هدف المؤتمر اعلامي ودعائي بحت لا علاقة له بما يدعيه القائمون عليه بل هو لتلميع مواقف ومكيجة وجوه لا اكثر ولا اقل !
بالطيع لايستطيع اي مراقب التأكيد على ربط مكان عقد المؤتمر باحداث التفجيرات في مدريد التي نفذها الوهابيون السلفيون في محطة قطارات العاصمة الاسبانية والتي راحت ضحيتها المئات من الابرياء الا ان هناك من يؤكد ان للمؤتمر بعد سياسي ودعائي اكثر من اي بعد اخر بل ان المؤتمر يفتقد لاي بعد اخلاقي وحتى مهني لكون ان الذين سيحضرونه مسيسون هدفهم اضفاء حالة من البراءة على الانظمة الدينية العربية المتشددة وابعاد شبهة رعايتها للتطرف والارهاب والفكر التكفيري الذي سوف يحمله اكثر الشيوخ المشاركون في المؤتمر !
ففي الوقت الذي يستمر فيه شيوخ الوهابية بنشر فتاوي التكفير والكراهية والتحريض على القتل والعنف وفي الوقت الذي يضيق النظام العربي الديني الخناق على اتباع المذاهب التي لم تتمذهب بالمذهب الوهابي ويتم تكفيرهم واستباحة دمائهم او يرمى بهم في السجون فان اي حديث عن 'حوار الاديان' يعتبر نوع من الخداع وذر للرماد في العيون حيث الذي يعجز عن ايجاد حوار داخلي واهلي بين مذاهب من دين واحد ويعجز عن وقف الارهاب الفكري الذي يمارسه مذهب الدولة الرسمي ضد مواطنيه فانه اعجز من ان يدير حوار على مستوى اكبر اديان العالم .
العالم كله قرأ ذلك البيان الارهابي والتكفيري الذي اصدره 22 شيخا وهابيا ضد الشيعة ذلك البيان الذي جرد حتى مواطنيهم من اي حرمة لدمائهم واعتبرهم من المشركين والكفرة وانهو اسوء طوائف الامة ‘ فكيف اذن يمكن ان يصدق هذا العالم بحسن نوايا من هم يقفون خلف تنظيم مؤتمر حوار الاديان في مدريد ؟!
هؤلاء الشيوخ يتلقون الدعم من الاجنحة المختلفة في النظام ولهم نفوذ قوي في هيئات 'الامر بالمعروف والنهي عن المنكر' التي تحظى برعاية خاصة من قبل وزير الداخلية الذي اعتبرها 'ركن من اركان الاسلام' فيما قال امير منطقة الرياض عن تلك الهيئة الوهابية السلفية المتطرفة بان 'الدولة السعودية اعطت جهاز الامر باالمعروف والنهي عن المنكر الصلاحية في استعمال اليد لتغيير المنكر وان هيئة تكاد تكون ركنا من اركان الاسلام'/ صحيفة الوطن السعودية 26 نوفمبر 2007 / . وقد انتقد الرئيس الامريكي بوش على هامش قمة مجموعة الثماني السعودية على انتهاكها لحقوق الانسان وسمى بالاسم الشرطة الدينية اي تلك الهيئة المتطرفة الارهابية التي غدت مخلب الاطراف التكفيرية ضد كل من لا يلتزم بالاصولية الوهابية .
ولكي ندرك حقيقة مؤتمر حوار الاديان الذي انعقد بتاريخ 16 /7/2008 والاجندة التي يحملها القائمون عليها لابد من ان نعود قليلا الى بعض التصريحات التي اطلقها شيوخ الافتاء وعلى رأسهم المفتي السعودي الرسمي عبد العزيز ال الشيخ الذي نطق 'كفرا' بعد ان صمت دهرا على فتاوي البراك حيث انتقده وانتقد زملاءه في الافتاء دون ان يسميهم وهم معروفون من امثال الشيخ البراك وعبد الله ابن جبرين والفواز وغيرهم حيث قال 'ان رجال الدين يجب ان يحذروا من الاندفاع لتكفير كتاب واعتبارهم مرتدين عن الاسلام'! والحال ان كل الحقائق والوقائع تؤكد على ان الشيوخ ورجال الدين وعتاة الوهابيين الذي شملهم بانتقاده هذا الشيخ هم من خريجي المدرسة الوهابية ذاتها وانهم كانوا ومازالوا ضمن الحلقة الخاصة والضيقة من الشيوخ الذين يعتمد عليهم في وقت الحاجة من قبل الدولة الدينية لاصدار فتاوي تكفير ضد هذ الطرف او ذاك والا لماذا سكت هذا الشيخ عن بيان عتاة الوهابيين الـ22 الذين كفرو فيه الشيعة واعطوا ضوءا اخضرا لممارسة العنف والارهاب وحتى القتل ضدهم ؟
وهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان هذ الشيخ المفتي عبد العزيز قد تحرك اخيرا وفقا لاجندة سياسية لا من قناعة ذاتية وقبل انعقاد مؤتمر حوار الاديان بايام وهو ما اوحي لكثير من المراقبين ان الشيخ مسير وليس مخير وان تصريحه هذا لا يعكس حقيقة ما يؤمن به وان المؤتمر هدفه فقط تلميع صورة النظام السعودي الديني وان النهج السلفي الوهابي المتشدد سوف يكون مهيمنا على المشهد العام في الدولة السعودية وليس ادل على ذلك هو ما قاله امير منطقة الرياض بان 'الهيئة' ـ المتشددين الوهابيين ـ هي ركن من اركان الاسلام وان لها مطلق الصلاحية في استعمال 'اليد' اي العنف والقوة والارهاب لنشر تعاليم التشدد والتطرف باسم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
اسعد راشد
https://telegram.me/buratha
