( بقلم قاسم محمد الكفائي )
ما قبلَ الخَوض بتفاصيل هذه الحَلقة نحتاج الى مقدِمة سريعة جدا نستجلي فيها بعضَ العوالق والترسُبات وغبارَ الفهْم الخاطىء في التقدير . فالكثير من عامة الناس يعتقدون أن في دول الغرب تتوفرُ الحرية ، ووتتوفر الديمقراطية وحقوق الأنسان ، معتبرين أن المصداقية هي الفارق والقياس ما بين الأنظمة الرجعية والدكتاتورية في بلدان العالم الثالث وبين القوانين الأنسانية التي تتحكّم بدول الغرب – كما يُتصَوّر- ، أو بين المعاناة التي تلقاها الأنسانُ في بلده من قِبل الحكومة الجائرة ، والأستقرار الذي تنعّم به في بلد المهجر. التقدير مازال مبتورا ولا يتفق مع الحقيقة كون المعيار الرسمي لأستقبال الأنسان المضطهَد هو التستر على المُخَطط الغربي الذي أفضت نتائجُه أن تتسلط الدكتاتورية على ذلك الأنسان فتدمر بلدَه وبيته ويُطارَد على أرضِه التي وُلدَ فيها . فاستقبال دولة ما لطالب اللجوء تعني ما يقابله احراق وطنه وبيته وجعله في تخلف علمي وثقافي واقتصادي ليبقى فقيرا ضعيف الأرادة والقوى .
وكما نعلم أن الأمم المتحدة هي التي تتابع أحوال المضطهَدين سياسيا في كل العالم بينما هي مؤسسة تعمل على تنفيذ مخططات صهيونية عالمية من أجل تدمير طاقات الدول وكسر شوكة شعوبها وجعلهم كالريشة يتقلبها الريح حتى تهبط عند باب مكتب طالبي اللجوء بلا إرادة . هكذا انتصرت أوروبا وأمريكا ، وهكذا اندحر المعسكر الشيوعي ، وتغيّر العالم برُمَتِه . هذا اللون من الفهم كان وما زال جزء من ثقافتي وعلى ضوئها يتحرك قلمي وينطق لساني ، ولهذا تجدني في مطبّات هذه الثقافة أتسكّع في دهاليزها المُخيفة . إذن هناك مدنيّة في دول أمريكا وأوروبا ، وحالات صراع سياسي عالمي وليس حقوق للأنسان بمعناها الأنساني الموروث عن تشريعات إنسانيّة البنود تُمكن الفرد من الوصول الى شاطىء الأمان والسلامة في التربية والعقيدة والحرية مثلما هي في الحقيقة عملية أستحواذ وهيمنه . بعد هذه العَجالة في المُقدِمة نأتي على جانب مهم من جوانب حقوق الأنسان في سجون كندا .
لنستعرض الممارسات اليومية الشرّيرة التي تقوم بها الشرطة الكندية ضد السجناء . يُقال عن السجن أنه مدرسة يتعلم فيها الأنسان السجين دروسا حياتية مختلفة تؤدي بنتائجها الى تنامي معرفتة وقدرته على تغيير سلوكه المنحرف وتقويمه . أما سجن مدينة تورونتو الكبرى هو خلاف كل هذا فلا يجد السجين المحترم فيه سوى كلمتين يرددهما السجّانون كأحلى منطق وأشجى لغة لهما يتعاملون بها مع السجناء لأتفه سبب ،. كلمتان بذيئتان تنطلقان من أفواه الشرطة الغِلاظ في تعاملهم وأكثرهم ممن في أذنيه مُعلّقة ( قيراط الحريم ) . الأدهى والأمَر هو طريقة استقبال السجين القادم من الخارج مهما كانت جريمته ، وأكثر هؤلاء لم يعد له جُرما بمعناه الذي يستدعي هذا الأجراء أو بعُشر منه ابدا . يدخل السجين الى داخل السجن وقد نقلته سيارة الشرطة الشبه مُصّفحَة فيستلمه السجّان ويفحصه بشكل سريع ويُدخله الى صالة الأستقبال . بعد ساعة أو ساعات ينادون عليه فيخرج ويذهب الى قسم آخر لمسافة خطوات ليخلع ملابسه بالكامل وحتى لباسه الداخلي والى جانبه أكثر من شخص وقد يصل العدد الى أربعة أو خمسة ، كلهم عراة تماما يقفون صّفا أمام واحد أو إثنين من الشرطة أصحاب ( القيراطات والوشم ) فيقوم هؤلاء العراة واحدا بعد الآخر بحركات هو حسب أوامر السجّان حتى يتأكد من عدم وجود سلاح فتاك وذخيرة حية بحوزتهم .
أما الأحتمال الآخرهو المخدرات فيأمر السجين أن يدير وجهه الى الحائط وبعدها يأمره بالأنحناء وفتح شرجه بيديه فينظر هذا ( السجّان ) الى فتحة المخرج للتأكد من عدم وجود أية مادة مخدِرة ، ثم يرفع رجله الى أعلى ، وهكذا . هذه الطريقة تتكرّر مع السجين كلما ذهب الى المحكمة وعاد مخفورا ثانية حتى ولو ألف مرّة ، وكثير ما تُشاهِد الشرطيّات ، وكذلك الممرضات من العنصر النسوي هذا المشهد المروّع ويقفن أحيانا للحديث مع بعض السجّانين ، والعراة ينتظرون نهاية الأجراء كما ولدتهم أمهاتهم . بعدَ كل هذا الأجراء يُسلّم السجين بدلة صفراء تشبه وبالضبط بَدَلات سجناء كوانتنامو. في مثل هكذا سجن لا نجد المجرمين من بين السجناء إلا ما ندر سوى أننا نجد ضحايا لممارسات سرّية تقوم بها جهات رسمية صعب على المرء فهمها على الأطلاق إلا أهلُ هذا العلم ( المخابرات ) ، وضحاياه الذين تفرّدوا بمَلكتِهم وثقافتِهم وسلامة تفكيرهم . فالأجراءات الرسمية لا تتناسب مع حجم التهم المُسندَة الى هؤلاء ، وكذلك طريقة نقلهم من السجن الى المحكمة بصورة وحشية غير إنسانية أبدا .
من الصباح الباكر يُنادي السجان بالأسماء فيصطف السجناء على الحائط ويأخذهم الى قسم الأنتظار لينادي عليهم مرّة أخرى ويتم تفتيشهم ، عندها يضعون الجامعات الحديدية في كِلتا يديهم بحيث يكونوا مربوطين واحدا للآخر كل خمسة أو ستة أشخاص . ويسوقونهم الى سيارة النقل الخاصة الواقفة داخل السجن المُحكم والمُحصّن ، فيصعدون بصعوبة كونهم مقيدين مع بعضهم ليصعب عليهم أي اختلاف في الحركة . أما السيارة تلك فلا أحد يستطيع أن يرى الطريق منها وهي مظلمة ومُقفلة بإحكام . هناك سجن آخر يستقبلهم ويتم تفتيشهم لغرض الأنتظار حتى المثول أمام قاضي التحقيق . فلو نادوا على سجين ما بعد ساعات أو حتى آخر النهار فيُربط من باب السجن ويُأخَذ الى قفص الأتهام من خلال ممر وباب يؤديان اليه . في باب قفص الأتهام وبالتماس تُفك القيود ويدخل السجين ليجلس على طاولة مخَصّصَة له . فلو كان المتهم مغضوبا عليه من قبل دوائر المخابرات لسبب ما فسيكون قرار القاضي مربوطا بأرادة خارجية وليس له دور سوى التمويه على انه صاحب القرار وأن المحكمة أخذت مجراها بصدد قضية المتهم ، لكن سِبق الأصرار الخفي سَبَق في الحقيقة كلَّ هذه الطرَّهات . أيضا من الصعب أن تجدَ متهما يدافع عن نفسه كما يريد على اعتبار حقه المشروع في بيان ملابسات وشبهات وحقائق .
كل شيىء بيد القاضي والأدعاء والمحامي الذي ينظر الى الدعوى على أنها بزنس- ( وأهل الخير قليلون ) وليس ممارسة للدفاع عن قضية تحمل في طيّاتها براءة المتهم الذي لا يستحق أسلوب القذف الذي يتلقاه من السجّان المحترم جدا . يخرج المتهم من قفص الأتهام فيوضَع القيد في يدية المأخوذتين الى خلف ظهره ليعود الى سجن المحكمة من خلال الممر داخل السجن ، ثم العودة الى السجن الكبير ليتم تفتيشة بالطريقة الغير إنسانية ذاتها . من كل ما سبق تظهر لنا نتيجة ماثلة أمامنا تعكس الأهداف الحقيقية لممارسات جهاز الشرطة ، فالغرض منها ليس ظاهر الأجراء مثلما يعني باطنه الذي لا يفهمه حتى المُنفِذين له من الشرطة الشِداد أصحاب ( القيراطات ) . هذه الأهداف هي ضرب الأنسان في كرامته ، ومسخه ، وجعله سلعة رخيصة تتقلبها الأيدي كيفما تشاء ومتى تشاء ، فتموت في نفس الضحية مشاعر الحياء والكرامة والعفة والثقة بالنفس ، وتموت روح السياسة والأنفعال من أجل الوطن ، والأعتراض على الحكومة ، ثم التفكير بحتمية التغيير أو الأصلاح فيها . كل ما تقدم هو مظهر لبرنامج سرّي تنفذه مؤسسات الشرطة المحلية وتشرف عليه أجهزة المخابرات التي تتابع دقة التنفيذ . هناك أمرٌ تتحمل عواقبه جاليتنا العربية والمسلمة كون عوامل الأرتباط والتعايش ما بينها ضعيفة .
هذا الأمر يتحمل مسؤوليته أيضا الأشخاص من الذين تمّ اعتقالهم في مثل هذه السجون وعانوا من هذه الممارسات اللاأخلاقية وهم يقدَّرون بالآلاف ، فليس هناك فردٌ منهم كسر حاجز الخوف والحياء وفضحها للعلن حتى تتعرف جاليته والآخرون على واقع الحال في السجون الكندية . غلبَ عليهم الحياء وصاروا ضحايا أخطائهم بسوء تفكيرهم وتقديرهم ، لكن ما نأمله مستقبلا أن تتغيرّ كل ملامح هذه الظاهرة فنضع أحوالنا مهما كانت على طاولة النقاش في كل المحافل لنضع حدّا لها ، ونفضح سلوكا لا تعرفه عامة الناس وخصوصا شعوب العالم الثالث الذين في عيونهم رماد الديمقراطية الغربية وحقوق الأنسان . وخير مثال في العراق كيف أن جنود الأحتلال تقوم بممارسات ضد المدنيين العراقيين خلاف أبسط قواعد المدنية والأخلاق بينما لا تقوم الحكومة الأمريكية بأدنى إجراء يكبح جماح المذنبين . كذلك فهي تغطي على المجرم صدام ، وكل أزلامه ، والأرهابيين الذبّاحين بغطاء حقوق الأنسان .
في كل الأحوال ، ومن هذا المنبر الأعلامي نسترعي انتباه كل المؤسسات العربية والأسلامية في كندا أن تطالب الحكومة الكندية بالتوقف عن هذا الأجراء اللاإانساني الذي تقوم به أجهزة الشرطة بحق المعتقلين في سجونها من العرب والمسلمين . فألف مبروك لشرطة تورونتو على هذه الفضيحة ، ولفضح المزيد لاحقا وسنلقاكم ، أو نشم رائحتكم على موعدنا يوم 1 – 8 – 2006 في محكمة دائرة الهجرة على 74 شارع فكتوريا مركز مدينة تورونتو . إنه عالمكم الصعب ، عالم المخابرات
https://telegram.me/buratha