( بقلم قاسم محمد الكفائي )
هذان الشخصان عاشا ضيم تبعات هروبهما من الخدمة العسكرية إبان العهد البائد أيام كانت الحرب قائمة ما بين العراق وإيران . هربا معا ومارسا مهنة صناعة الخبز ( خبّاز) في بغداد ودهوك حتى استطاعا الهروب من العراق عبر حدود وطننا العزيز الى أيران . فعاشا في الأهواز واشتغلا فيها بنفس المهنة آنفة الذكر ولسنين .
حاولا الخروج من ايران الى الباكستان فنجحا حتى وصلا اسلام آباد واستقرا في مدينة راولبندي وافترقا هناك ، كل شخص عاش في مكان مختلف . كانت السفارة العراقية لها عناصرها تعمل في صفوف اللاجئين فتنقضُّ على فريسةٍ ضعيفةِ الأرادةِ ، خاويةٍ من داخلها بسبب قهر الغربة وتبعاتِها . في عام 1989كما أتذكّر عاد سلمان شمسه الى العراق عن طريق السفارة بتأثير مباشر من المدعو مهدي كاظم المسيباوي الذي كان لاجئا خبيثا بيننا وهو الآن في دولة النرويج . كان سلمان طيّبا ، دَمِثا وبليدا من أهالي كربلاء ، لا يتجاوز عمره آنذاك الثامنه والعشرين بحسب تقديري . كما أخبرني جمال أنه حاول إقناعه بالعدول عن قراره بعدم العودة الى العراق لكن تأثير مهدي كان أكثر وبخبث .
كان من المفروض وحسب الأتفاق مع سلمان إرسال أية إشارة من العراق تفسر وصوله بسلام ويعيش مع عائلته ، لكن هذا لم يحدث . بالأمس القريب أيَّ قبل الشروع بكتابة حلقتنا هذه اتصلت بأحد أصدقائي العراقيين المطلعين وسألته فيما اذا كان له أي خبر عن سلمان فاخبرني بالنفي وأنه حاول لقائه بالعراق خلال سفرته قبل عام فلم يفلح .أما جمال بقى صامدا في دار الغربة في الباكستان حتى سفره الى كندا عن طريق مكتب اللاجئين في اسلام آباد . جمال الذي يبلغ من العمر بتقديري والى حد 1997 حوالي 38 عاما . قصير القامة ، ضعيف البنية من أهالي مدينة الثورة في بغداد ، وحسب زعمه هو كان أبوه بالأصل هو من مدينة شهربان . كان يحس بآلام في صدره ويخرج منه –البلغم – بسبب الضيم الذي عاناه ، وعدم فهمه في مواجهته . وصل الى مدينة تورونتو قادما من الباكستان عام 1992 ، وانتقل الى هاملتون ، ثم مدينة لندن أونتاريو ، وعاد الى هاملتون .
في آخر أيامه من عام 1997 أحسّ جمال بفشله في حياته عندما يرى أصدقائه العراقيين يشتغلون ، ويجمعون المال ، ويسوقون سياراتهم الخاصة بينما هو يبحث عن عمل فلا يجده ، ويعيش على مساعدة الحكومة – الويلفير – التي لا تكفي لشراء - الدخان - الذي يتناوله باستمرار وافراط . كبُرَت المشاكل فيه واستعصيت بسبب سوء تفكيره هو ، وعدم فهمه بطريقة النجاة منها . كان وضعه النفسي في أيامه الأخيرة مزري ، وكان لا يجد حتى الأكل الذي يشتهيه أو يكفيه . ذات مرّة سألني عن مساعدته بايجاد فرصة عمل له ، فحاولتُ حتى تهّيئت في محل عربي ، لكنه رفضها ولم يباشر بها لأسباب نفسيه قاتله كانت تستعر فيه . في يوم مفجع من عام 1997إستُخبرَت شرطة مدينة هاملتون بانبعاث رائحة كريهة جدا من شقته الواقعة على شارع - ويلنكتن – كما اتذكر على مقربة من مركز هاملتون .
حضرت الشرطة الى مكان الحادث وكسرت الباب فوجدت جمال جثة هامدة متعفنة في حوض الحمام وفي بركة دم متجمّد . لقد قام بالأنتحار فقطع شرايين يده بطريقة المنتقم من نفسه حتى لقي حتفه، ودفن في مقبرة على الجبل كما يسمونها . كتبتُ هذه الحلقة حتى يَطلِع( آل شمسه ) على مصير ولدهم سلمان ، وعن الشخص الذي دفعه الى الموت بطريقة استخبارية ، وندعو الله تعالى أن يحفظه من كل مكروه . كذلك عن مصير جمال والقصة الحقيقية لنهايته تقديسا وتأكيدا للأمانة والمصداقية ، خصوصا وقد شرعنا هذه الأيام بكتابة حلقاتنا – عالم المخابرات – وكان بعضها يتعلّق بحقيقة معاناتي في كندا ، فلا أريد هنا أن يكون لدى أهله أو أية جهة أخرى َخلط ما بين مأساة وأخرى . فنقولها بأمانه أن جمال هو الذي نحر نفسه بنفسه بينما كان يعيش على المساعدة الحكومية – الويلفير .
https://telegram.me/buratha