المقالات

القضاء العراقي ومتطلبات الواقع الجديد

1785 22:51:00 2006-07-26

( بقلم المحامي طالب الوحيلي )

لاشك ان القضاء يعد المرآة الصادقة التي تعكس دون لبس واقع البلاد ولعل الذي قيل عن احد الساسة العالميين حين استلم ادارة بلاده ،وهي تغرق في الفساد والخراب انه استفسر عن مؤسستين لا ثالث لهن فيما اذا اجتاحها الفساد ام لا ،وحين اطمأن الى نجاتهما من ذلك الوباء، تفاءل كثيراً وابلغ محيطيه بان البلاد بخير ما دام القضاء لم تطاله تلك الآفة الشيطانية ،فضلاً عن التربية والتعليم .

فالقضاء العادل النزيه الخالي من كل شائبة هو باب اصلاح كل ما تهدم وتهتك لكن الكارثة في العهد المقبور، كانت في دهاليز القضاء وخصوصاً (القضاء السري).او الوجه الخفي لدولة المنظمة السرية الذي اميط عنه اللثام فبان للعيان مدى الجرائم التي ارتكبت عبر هذه المؤسسة ،من خلال المحاكم الخاصة ومحكمة الثورة سيئة الصيت وغيرها، فيما تكمن اوجه الفساد في القضاء العلني من خلال تفشي الرشوة والمحسوبية والعلاقات الخاصة بين القضاة والخصوم ،وقد افرزت ساحة القضاء العراقي عدة فئات من القضاة، منهم القضاة الذين اشتهروا بالعصامية واحترام مهنتهم وتقديسها باعتبارها تكليفاً دينياً قبل ان يكون مهنياً ،وقد تلاشي جل هؤلاء بين التقاعد او الوفاة او الاقالة او السجن، وفئة عرفت بالذكاء والفطنة لكنهم ضعفوا امام رغبات وحاجات الحياة القاسية بعد ان تدنت رواتبهم ومستوى الخدمات المتوفرة لهم حتى تساووا مع ابسط موظفي دوائرهم، وبذلك انهارت تلك القيم والمثل التي حملوها واستمرأوا السحت للاسف،وكانهم امام مقطع مشهور لاحمد معطي حجازي اذ يقول(في هذا العالم المليء بالاخطاء مطالب وحدك ان لا تخطيء..)

ومن طرائف القضاء في ذلك العهد ان قاضي محكمة ايجار الرصافة قد صدر بحقه حكم بتخلية الدار التي يسكنها من قبل محكمة ايجار الكرخ،أي انه طبيب يداوي الناس وهو عليل، اما الفئة الاخطر فهم القضاة الذين تمرسوا في محاكم الطاغية واصدروا ابشع الاحكام وضد ابناء شعبنا من حجز وسجن واعدام، فكانوا مصدر شريعة القتل المقنن وبذلك فانهم يتحملون اوزار ما حكموا في الدنيا الاخيرة..

بعد سقوط الحكم الصدامي، كانت اول بوادر البحث عن معالجة صائبة كهذه المؤسسة بما تحمله من نذير لا نقول شؤم بل قلق كبير من معالجة الفساد الاداري والانفلات الامني.. وقد وضعت لذلك معالجات خطيرة منها اجتثاث بعض القضاة الذين شاعت ممارساتهم الخاطئة او الذين شملوا بقانون اجتثاث البعث فيما جرى تعيين اعداد جديدة من القضاة على امل سد الفراغ الحاصل نتيجة استشهاد بعضهم بسبب انفلات الوضع الامني الذي طال القضاة انفسهم، او بسبب اتساع رقعة الدوائر القضائية واختصاصاتها الجديدة..الخ، ان ما فقده القضاء العراقي خلال العقود الاخيرة السابقة لسقوط الطاغية، من استقلالية ادت الى النيل من نزاهته وتردي كفاءته وانحطاط سمعته وشفافيته حتى صار الجزء الضعيف من السلطة التشريعية والتنفيذية الفاسدة بدل ان يتمتع باستقلالية مطلقة تكفلها الدساتير، ناهيك عن ان الدستور المؤقت الذي تختبئ وراءه السلطة هو مجرد حبر على ورق وعرضة لاهواء الطاغية يغيره كيف شاء ويبدله او يطبقه كيف ما يريد.

فكان لابد من العمل لاعادة القضاء الى مكانته الحقيقية التي ينبغي ان يكون عليها شرعاً وقانوناً،كسلطة مستقلة لا سلطان عليها الا القانون وذلك من خلال التقيد باحكام الدستور العراقي الدائم الذي تكفل للقضاء ارقى المبادئ التي تجعله اهم سلطة مستقلة في العراق، وايجاد الضمانات الكافية لحماية هذا الاستقلال وصيانته، والحيلولة دون كل ما يؤثر على سير العدالة، فضلاً عن تطهير الاجهزة القضائية المختلفة من العناصر الفاسدة وتطبيق اقسى العقوبات بحق كل من تسول له نفسه المساس بهيبة القضاء وسلطانه.ولان القاضي هو مصدر الحكم العادل ومثال تحقيق العدالة فقد فكان لابد من رفع مستواه المعيشي بصورة تليق بهذه المهنة الشريفة وما يجب ان يوفر للقاضي من متطلبات الحياة من امن وسكن وخدمات تجعله محصنا عن الحاجة للناس.

وليست النزاهة هي معيار رقي القضاء فحسب وانما يجب ان تتوفر الكفاءة في القضاة وفي بقية اجهزة هذه السلطة ،والسعي الى تطوير الكوادر القضائية بما يتلاءم ويرتقي الى مستوى الرقي الحضاري الذي بلغه القضاء العالمي، من حيث الشؤون الفنية والمعلوماتية والادارية ،وعلى مستوى المنشآت العمرانية،ووضع الخطط العلمية المناسبة لتوفير المناخات المتطورة عبر الابنية التي تليق بهيبة ورهبة القضاء ،بعد ان افتقرت ابنية المحاكم العراقية في بغداد والمحافظات الى ابسط مظاهر الرقي التي بلغتها افقر دول الجوار .

كما ينبغي تطوير المناهج التدريسية لكليات القانون والمعاهد القضائية،واعادة النظر باساليب التدريس والاهتمام بالاساليب التطبيقية بما يتلائم والواقع المهني على صعيد القضاء والادعاء العام والمحاماة ، والاهتمام بمهنة المحاماة كجزء لا يتجز من القضاء كونه القضاء الواقف .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك